مكتوب: الشهيد أبومحروق.. تفتقده صلاة الفجر ورسائل الأصدقاء الصباحية

عزة-محمد شاهين

أصوات الترحيبات المنطلقة من مكبرات الصوت التي ترشدك لخيمة عزاء الشهيد القائد القسامي وسام، تجعلك تعتقد بأنك ذاهب إلى عرس يخلو من لوعة الفراق، وأنك أحد المهنئين في زفاف لأحد أبناء عائلة أبو محروق التي تقطن في بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة.

في عرس الشهيد، العصائر ذات اللون البرتقالي كانت توزع بدلاً من القهوة والتمر التي يجري عادة توزيعها في بيوت العزاء، فأخوه محمود أدرك بأن وسام الذي لطالما كان سباقاً لرضى والديه ولصلاة الفجر، وصل إلى مبتغاه وهدفه الأخير في الحياة، وأنه كان ضيفاً عند حور العين في ليلة استشهاده مساء السبت الماضي.

جلسنا على أحد الكراسي البيضاء التي ملأت بيت العزاء المكتظ، وبجوار محمود الذي قادتنا ملامحه التي تشابه الشهيد وسام ليعرّف على نفسه بأنه أخ الشهيد، وتخبره "الرسالة" بانها تريد معرفة تفاصيل حياته، ليقابلنا بعدها بابتسامة.

السباق لرضى والديه

فور بدء أخ الشهيد سرد ذكرياته ومواقفه، أدرك أن اصطفاءه مع خمسة من المجاهدين، لم يكن بمحض الصدفة، فالشهادة التي نالها أتت بعد مشوار طويل من السعي خلفها والعمل لها، حرم فيه من رؤية أبنائه وزوجته لأيامٍ متواصلة، كما أنه نذر نهاره كاملاً في ميدان الإعداد والتجهيز.

"كنا نغار منه"، يحكي أخ الشهيد أنه واخوته كانوا يحسدون وسام من بره بوالديه وسعيه الدائم لنيل رضاهما، ولا يذكر له شجاراً واحدً معهما، أو موقفا ترك فيه والديه يزعلان دون أن يقبل قدميهما ويديهما.

كان محمود يقصد صلاة الفجر في المسجد حين يريد رؤية الشهيد وسام، كون الأخير لم يكن يتركها رغم عودته إلى المنزل في ساعات متأخرة من الليل، أما باقي الصلوات فلم يكن يعلم محمود أين يؤديها وسام الذي كان يتنقل بين ميادين الجهاد طيلة ساعات النهار.

"والديّ عاتباه عتاب محبة"، العمل الكبير الذي تحمله الشهيد وسام، بعد أن أصبح قائداً لسلاح الهندسة في لواء الوسطى التابع لكتائب القسام في نهاية عام 2014، جعله يتغيب عن المنزل لأيامٍ طويلة، ما دفع والده إلى طلب رؤيته على الهاتف بعد أن فاض به الاشتياق.

يحكي محمود أنه بعدها لم يترك ليلة واحدة قبل أن يذهب بها إلى والديه ويقبل يديهما، ولو لم يسعفه الوقت يكون في الصباح حاضراً لينال رضاهما الكبير.

والد الشهيد الذي كانت يده اليمنى مشغولة في استقبال المعزين، بينما ترتكز يده الأخرى على حفيده أحمد، لم يطل الحديث مع "الرسالة"، إلا أنه اكتفى بالقول "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وانا على فراقك يا وسام لمحزنون"، بينما تركناه ولسانه يتلفظ بالرضى على نجله.

رسائل يملئها الدعاء

إبراهيم مسلم، صديق الشهيد والذي تعرف عليه على جبل عرفة في مكة المكرمة عام 2012، في موسم العمرة، وربطتهما بعدها علاقة أخوة كان عنوانها الأخلاق الحميدة والجلسات الإيمانية يحكي "للرسالة" جزءًا من الذكريات الطيبة التي جمعتهما.

إذا أردت أن تعرف لماذا الله اصطفاه، فعليك أن تسأل عن خلقه، يوضح مسلم أن الشهيد وسام لم يكن كبقية أصدقائه الكثر، إذ تميز بخلقه الرفيع ولسانه الذي لا ينقطع عن ذكر الله وترديد الأدعية الدينية بشكلٍ جماعي خلال جلساته القليلة مع أصدقائه.

في كل صباح من يوم الجمعة، وتحديداً بعد ساعات الفجر، اعتاد الشهيد على إرسال رسائل من هاتفه النقال الذي كان مغلقاً طيلة أيام الأسبوع، يحث فيها اصدقاءه على الاخوة في الله والعمل الصالح والأدعية والاستغفار.

كان مسلم يدرك تماماً أن صديقه من الرواحل الشهداء، ولا بد من أن تأتي اللحظة التي ينال بها الشهادة التي كان حديثها حاضراً في كل مجلس جلساه سوياً، ويعبر خلالها عن اشتياقه لأصدقائه الشهداء.

ورغم الحزن الذي ملأ وجه صديق الشهيد، إلا أنه يقول "نودع اخا عزيزاً، نحتسبه عند الله من الشهداء، بعد أن قضى وهو يخدم قضيته وشعبه، وبعد مسيرة طيبة.

وزفت كتائب القسام مساء السبت الماضي 6 شهداء بينهم الشهيد وسام أبو محروق 27 عاماً وقالت " إنهم كانوا في مهمةٍ أمنيةٍ وميدانيةٍ كبيرة، حيث كانوا يتابعون أكبر منظومة تجسسٍ فنيةٍ زرعها الاحتلال في قطاع غزة خلال العقد الأخير للنيل من شعبنا الفلسطيني ومقاومته".

البث المباشر