درجت العادة في كل مرة يتم فيها الإعلان عن دخول رئيس السلطة محمود عباس للمستشفى نتيجة وعكة صحية أو لإجراء فحوصات طبية، أن يكثر الحديث حول خلافته في رئاسة السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح.
ومع تواتر الأنباء عن تدهور صحة عباس البالغ من العمر 83 عاماً، بدأ الحديث بقوة عن خطورة المرحلة التي ستعقب رحيله، ولا سيما في الساحة الفتحاوية التي تشهد حراكاً " تحت الأرض" للبحث عن وريثه، وكذلك اهتمام في مراكز صناع القرار والإعلام الإسرائيلي بكيفية التعامل مع هذه الفترة وكأنها "بداية النهاية لسلطة عباس".
فوضى تضرب "المكونات"
ويتفق الكاتبان والمحللان السياسيان هاني حبيب وطلال عوكل في الإجابة على تساؤل "الرسالة نت" حول "ما بعد الرئيس؟"، بأن الفوضى ستضرب المكونات الأساسية للمؤسسات الفلسطينية التي استحوذ عباس على رئاستها وهي "السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، بالإضافة إلى حركة فتح".
ولم يتردد حبيب في اعتبار مرحلة ما بعد عباس "الفوضى"، وذلك لعدم وجود استراتيجية معمول بها في إطار الواقع الفلسطيني لتحديد من سيخلف "الرئيس"، مشيراً إلى أن الاحتكام إلى النظام الدستوري الأساسي الفلسطيني سيولد خلافاً حول تفسيراته، ولاسيما أن واقع الانقسام الحالي سيجعل من خلافة عباس مزيداً من الفوضى والتعدد في السيناريوهات والتفسيرات للقانون الأساسي.
وعبر حبيب عن اعتقاده، بأن الفوضى ناتجة من مسئولية عباس قبل أن يُخلي الساحة للآخرين، مؤكداً أنه كان يجب أن تجري انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما سيجعل الأمور أكثر وضوحاً وتحديداً إلا أن ذلك لم يحدث للأسف.
ولفت حبيب إلى أن عباس ليس رئيساً للسلطة الفلسطينية فقط وإنما هو رئيس لجهتين أخريين وهما منظمة التحرير وحركة فتح أكبر التنظيمات الفلسطينية، منبهاً إلى أن إخلاءه لمناصبه الثلاثة سوف يخلق مشكلات متعددة على صُعد مختلفة ومتباينة، وبالتالي من الصعب رسم ملامح القادم والإجابة على سؤال ماذا بعد الرئيس؟، على حد تعبيره.
امتداد لما قبل "الرئيس"
ولم يختلف عوكل في إجابته عمن سبقه حول "ما بعد الرئيس؟" فقال " إن ما بعد الرئيس هو امتداد ونتيجة لما قبل الرئيس"، مشيراً إلى أن ما قبل عباس هو "الانقسام الفلسطيني، وعدم إجراء الانتخابات، وعقد اجتماع المجلس الوطني ناقصاً بشكل كبير وبغياب الفصائل الوطنية".
وحسب النظام الأساسي، أوضح عوكل أنه من المفترض أن تكون الأمور محلولة بتولي رئيس المجلس التشريعي الحالي عزيز دويك منصب الرئاسة لحين إجراء الانتخابات، متوقعاً أن يحول الانقسام الحالي دون ذلك، ومحذراً من أن يتجه القائمون على السلطة برام الله إلى إحالة هذا المنصب المهم لرئيس الحكومة الحالي رامي الحمد الله.
أما على صعيد النظام الداخلي لحركة فتح، فقد ذكر عوكل بأنه يفترض أن يتولى نائب الرئيس محمود العالول قيادة الحركة من بعد عباس، متوقعاً أن يكون الأوفر حظاً لاختياره على رأس قيادة منظمة التحرير.
وتساءل عوكل في الإطار "هل نكون أمام وضع جديد مختلف ليس له علاقة بكل المرحلة السابقة؟، بحيث يتم من خلاله تفكيك العلاقة بين المكونات الأساسية الثلاثة ما بين فتح والسلطة والمنظمة، معتبراً أن "التوليفة" الحالية ربما تكون مختلفة عن سابق عهدها، وقد تُحقِق على الأقل فك الارتباط بين المكونات الأساسية الثلاثة.
وشدد على أن ما سبق ذكره، يجب أن يجري بناءً على ترتيبات أو توافقات أو انتخابات، وإذا لم يتم بهذه الطريقة فمعنى ذلك أننا ذاهبون إلى" الفوضى".
تتويج "إسرائيلي أمريكي"
وبدأت (إسرائيل) بوضع تقديراتها لما تصفه باليوم التالي لغياب عباس عن المشهد السياسي، وتفتح "بازار" الترشيحات المتوقعة للشخصيات المتوقعة أن تخلفه في المناصب العديدة التي يتقلدها بصورة حصرية.
ويري حبيب أنه في كل الأحوال، لا يمكن أن تتم مرحلة ما بعد "الرئيس" دون الحصول على ضوء أخضر من الأمريكيين و(الإسرائيليين) بشكل أساسي، وإلا لن يكون هناك تتويج لأي رئيس قادم.
وذكر حبيب أن (الإسرائيليين) يدعون أن عباس عقبة أمام أي عملية مفاوضات قادمة وخصوصاً على ضوء موقفه المعلن من صفقة القرن، غير أن الواقع يقول " أن هناك شكلا من أشكال النفاق السياسي لدى الجانب الصهيوني كون عباس أكثر القيادات الفلسطينية جنوحاً نحو العملية التفاوضية، وهو الذي شق طريقاً في عملية مفاوضات طويلة بلا هدف ولا أمل ولا أفق زمني، وبالتالي الرهان عليه هو الرهان الأفضل، ولكن مع ذهابه كأمر واقع، أعتقد أنهم سيبحثون عن شبيه للرئيس"، وفق تقديره.
وكمن سبقه، توقع عوكل أن أي شخصية بعد عباس لابد أن تسير على النهج التفاوضي الذي سار عليه، متسائلاً "ما الذي يمكن أن يتغير على (إسرائيل)؟"، فالأخيرة تتعامل مع الأمر الواقع كما تتعامل معه الآن مباشرة، سواء من خلال التفاهمات والالتزامات والتنسيق الأمني، كما أنه لن يتغير شيء في الواقع العملي للشخص الذي ستتعامل معه (إسرائيل) غير عباس، علماً أن عريقات كان مرافقاً له في مرحلة المفاوضات وليس خارج الخط السياسي الذي ينتهجه.
خيارات "داخلية"
وحول الخيارات الفلسطينية المتوقعة لما بعد عباس، فقد عبر حبيب عن اعتقاده أنه ليس لدى الفلسطينيين خيارات على ضوء هذه التعقيدات والتفسيرات والتباينات الموجودة، مبيناً أن البعض يشير إلى أنه نظرياً يجب أن يتولى رئيس المجلس التشريعي منصب الرئاسة لحين انتخاب رئيس جديد، غير أن التشريعي محل جدل وتساؤل حول مدى شرعيته لذا لن يمر عبره الحل.
ومن وجهة نظر عوكل، فإن الوضع الفلسطيني كله غير شرعي ومحكوم بالأمر الواقع، وإن كافة ما يتم الاتفاق عليه بين الأطراف الفلسطينية ليس وفقاً للقانون وإنما وفقاً لتوافقات على المصالح، منوهاً إلى أن هذه التوافقات أثبتت أنها غير ناجحة على صعيد المصالحة الوطنية، وبالتالي ستظل هذه الأسئلة بكل أسف قائمة، معتقدا أنه من الصعب إيجاد حلول لها!
أما بخصوص المحيط الدولي والعربي، فقد عبر عوكل عن اعتقاده، أن هذا المحيط مضطر أن يتعامل مع منظمة التحرير تحت قيادة أي شخصية معروفة بالنسبة لهم وتتمتع بعلاقات دولية وعربية، مرجحاً أن تتجه الأمور نحو تعديلات النظام التشريعي من خلال إجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية وانتخابات للمجلس الوطني للمنظمة، وهذه الانتخابات ستفرض على كل الأطراف التعامل مع نتائجها.