ليس هناك محور واحد لقصة الشهيد في غزة، هناك أنين يتوزع ليخترق قلب أو اثنين، قد تتصدر المشهد حكاية واحدة عن الراحل، صرخة واحدة، ولكن هناك أكثر من ذلك، هناك "أبو محمود" شقيق الشهيد شاهر المدهون!
في بيت شاهر انشغلنا في تصوير مشاهد للزينة التي أصر الشهيد ألا تنزعها زوجته آلاء من على جدران المنزل مهما كبر ابنهما عبد الله الذي انتظرا قدومه تسع سنوات، مشاهد أخرى التقطتها عدسة "الرسالة" للرضيع عبد الله وهو يزحف أرضًا في طريقه نحو صورته مع والده المكبرة في صالون المنزل، كان يحاول لمس وجه والده، عله بحاجة لعناق!
انشغلنا كثيرًا في تصوير رسالة شاهر لابنه عبد الله، وهديته الأخيرة لزوجته، ولافتة كبيرة تحمل اسمه واسمها يرحبان بالمهنئين بقدوم ابنهم بعد طول غياب، الى أن لفت انتباهنا أحد الجالسين بعيدًا عن كادر التصوير، نحيف الجسد، يحمل ملامح شاهر الا أن رأسه اشتعل شيبًا، تساءلنا من يكون، فكان شقيق الدم والروح لشاهر "أبو محمود" 46 عامًا!
الشقيق الأكبر كان يستمع لحديث آلاء زوجة شقيقه، صامتًا، يستند على وسادة واحدة تستند عليها أمه كذلك، يبدو أنه بحاجة لشيء من البوح، بل للكثير منه، فهنا حضرة الشهيد، والشهيد شاهر!
بين ست اخوة كان وجود "شاهر" بينهم "مميزًا" كما وصفه شقيقه، لاسيما بعد وفاة والدهم، وذاك الطفل "شاهر" تجاوز عشر سنوات فقط!
اليتم لم يفارق بيت المدهون منذ عشرين عامًا حين حمل شاهر لقب "اليتيم" بعد وفاة والده، واليوم يسلم اللقب لابنه عبد الله الذي بات يتيمًا يوم ذكرى ميلاده الأولى!
حديث أبو محمود الذي لم يقطع حديثه "للرسالة" الا في حال رمى عبد الله نفسه في حضنه، فترك النظر لعدسة الكاميرا وداعبه، هو نفسه الذي يؤكد:" "ربيت شاهر يتيما وربنا يقدرني على تربية ابنه اليتيم!"
"كان طفلا، كان دلوع البيت" هكذا كان شاهر بالنسبة لأبي محمود، كان أكثر من ذلك،
سنوات التربية لشاهر من اخوته، أثمرت رجلًا شجاعًا، قوي الشخصية، المحبوب في نفس الوقت بين أهله والجيران والأصدقاء.
العهد الذي قطعه أبو محمود على نفسه، لأن شاهر ذاك الشقيق المثابر بالنسبة له، الذي يسعى للعلم والتفوق في أغلب المجالات التي سعى فيها ان كان في دراسته لإدارة الأعمال أو في مشاركته بالفعاليات الوطنية نصرة للأقصى، وآخرها مسيرة العودة الكبرى التي رحل بعد مشاركته في مليونية العودة، أملًا بأن يبصر بلدته المجدل!
هل شعرت أنك فقدت أحدا من أبنائك؟ ابتسم ثم اتسعت رقعة ابتسامته، كانت استخفافا بأنه مجرد ابن، قال:" فقدت روحي، فقدت ابني، فقدت أخويا، فقدت كل اشي".
بشكل شبه يومي لابد أن يجلس شاهر مع شقيقه الأكبر، لن ينسى أبو محمود قبل استشهاد شقيقه بيوم واحد، حيث قضى المساء معه، كان سعيدًا، متحمسًا، وقال له:" محضرلكم مفاجأة يوم الإثنين".
لم يجل في خاطره لوهلة أن المفاجأة ستكون الاستشهاد، كان يظن أن شاهر ينوي إقامة حفلة بذكرى مولد ابنه عبد الله الأولى، لم يكن الأمر كذلك، فلقد وصل شقيقه شاهر جثمانًا على الأكتاف، وكبر ابنه عبد الله عامًا في نفس اليوم والذكرى!