من بين الغازات السامة وصدى الرصاص ودخان الكوشوك، وعلى مقربة من السلك الفاصل يجمع الفلسطيني أحمد أبو عطايا -42 عاما - بقايا القنابل التي يلقيها الاحتلال خلال مواجهته مع الشباب الفلسطيني ليثير استغراب المشاركين في مسيرات العودة.
يجلس صاحب البشرة القمحية على كثبان الرمل وتحت أشعة الشمس، شرق غزة وبجانبه قنابل الغاز التي جمعها من بين الشبان المتظاهرين، ويحمل بيده سبحة صنعها من قنابل الغاز، وعيونه ترنو خلف جنود قناصة الاحتلال، إلى أراضيه التي هجر منها.
جمع بقايا القنابل السامة، أثار مراسل "الرسالة" للاقتراب من أبو عطايا لمعرفة سبب جمعه له، حتى حكى له أنه يحولها من قنابل مسيلة للدموع إلى قنابل مسرة للعين ومريحة للنظر بعد زراعته لها بالورود وتكوين منها أشكال فنية جميلة كقوارير الاشجار.
بيديه القمحيتين يجمع قنابل القتل والسموم بعد كل مواجهة مع الاحتلال ليحول قنابل الغاز التي يلقيها على الشبان المعتصمين على الحدود، لزراعة الورود واستخدامها في صناعة السبح.
يقول ابو عطايا:" بزراعتي للقنابل التي يلقيها الاحتلال اُحاول إيصال رسالة للعالم أن هناك شعبا يزرع الحياة من بعد ما أُصيب بالياس"، معتبراً أنه يواجه الاحتلال بشكل سلمي بزراعته للقنابل.
وكان أبو عطايا يدرك أن الاحتلال يحاول في مؤتمراته الدولية أن يظهر غزة عاشقة للموت والدم، فأراد بصنيعه هذا أن يعرف كل العالم أنها تحب الحياة ما استطاعت الى ذلك سبيلا.
يقول الأربعيني وهو ينظف قنبلة ليست صغيرة، يحاول تلوينها لتصبح بشكل أجمل:" كل قنبلة يلقيها الاحتلال سنستفيد منها لصناعة أشكال فنية، وزراعة الورد في القنابل هو بحد ذاته إصرار على الحياة التي يحاول الاحتلال حرمانها منها، ويحاول تشويه صورتنا أمام العالم".
وفي حديثه عن طرق زراعة الاشجار في القنابل التي تحتوي مواد سامة، يقول "أجمع عشرات القنابل وأعمل على تنظيفها من المواد السامة والقاتلة بشكل جيد من ثم أزرع في داخلها الورد وبعض الاشجار".
ولا يقتصر جمعه للقنابل بزراعتها للأزهار بل عمل على صناعة سبح من القنابل الغازية بطريقة فنية وجميلة، وتحتوي السبحة الواحدة على 33 قنبلة غاز فارغة ومنظفة جيدا موضوعة بسلك من الكهرباء، ويكون لها عنق من الصوف".
أبو عطايا يطمح للعودة إلى مدينة بئر السبع التي هجر منها أجداده قبل 70 عاماً، مؤكداً أنه سيحتفظ بهذه القنابل.
وفي أزقة بئر السبع يأمل أن ينثر هذه المشغولات، كي تعرف الأجيال المقبلة أن الحقوق لا تسترد إلا بالتضحية، وحتى تبقى ماثلة أمام أعينهم أن طريق العودة كان معبدا بالدم والفداء.
لا يشعر أبو عطايا بالخوف من القنابل، لكنه يتأكد من أنها فارغة من المواد المتفجرة والسامة، وفي الفترة المقبلة لن يقتصر عمله فقط على زراعة القنابل بل تلوينها وزراعة حديقة كاملة من الزهور في عمل من أكثر الأعمال المعبرة عن المقاومة السلمية للشعب الفلسطيني.
وتجدر الإشارة إلى أن القنابل التي يستخدمها الاحتلال تحوي غازات مجهولة تستخدم من أجل تفرقة المسيرة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، حيث أصيب خلال الاسابيع الماضية مئات الفلسطينيين بهذه القنابل.