نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافيين آن غيران وكارين دي يونغ ولوفداي موريس، يقولون فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وشك إطلاق مقترحها الذي طال انتظاره للسلام في الشرق الأوسط، بالرغم من موقف الفلسطينيين بأنه لا يمكن اعتبار الرئيس ترامب وسيطا صادقا.
ويرجح التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إطلاق المقترح خلال أسابيع؛ بهدف البدء في المفاوضات بين الأطراف، ربما خلال هذا الصيف، بحسب ما قاله دبلوماسيون ومسؤولون آخرون، مشيرا إلى أن الموضوع تأخر بسبب أشهر من المقاطعة الفلسطينية؛ احتجاجا على سياسة ترامب، التي تعد القدس عاصمة لإسرائيل، وقد يرفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الإطار الذي سيتم طرحه تماما.
وينقل الكتّاب عن مسؤول رفيع في إدارة ترامب، قوله: "إن لم يقم (عباس) بقراءة المقترح، وإن استمر في اللغة التي يستخدمها في العلن، مثل قوله إن أمريكا لم تعد وسيطا، وبأنه لن ينظر حتى إلى مقترحها، واستمر على تلك النغمة.. عيب عليه.. فكيف يمكن لذلك أن يساعد الشعب الفلسطيني؟".
وتشير الصحيفة إلى أنه لم يحدد بالضبط وقت إطلاق هذا المقترح، حيث قال مسؤول أمريكي، بشرط عدم ذكر اسمه كغيره من المسؤولين: "سنترك الوضع على الأرض يحدد متى نقوم بذلك، بدلا من تحديد وقت أقصى ونفرضه.. لدينا فرصة واحدة، أليس صحيحا؟ نريد نتائج صحيحة".
ويفيد التقرير بأن مستشار وزوج ابنة ترامب جارد كوشنر، والمفاوض الأمريكي الرئيسي ومحامي ترامب سابقا جيسون غرينبلات يقومان بزيارات للعواصم العربية وإسرائيل هذا الأسبوع؛ لشرح بعض عناصر رؤية الإدارة، وطلب المساعدة لجذب الطرف الفلسطيني لطاولة المفاوضات.
ويكشف الكتّاب عن أنهما لن يلتقيا بعباس أو مستشاريه، حيث يرفض عباس ومنظمة فتح، أن يقابلوا أو يتحدثوا مع مسؤولي البيت الأبيض منذ كانون الأول/ ديسمبر، عندما أعلن ترامب عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأكمل ذلك بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، التي يطالب الفلسطينيون بـأن يكون جزء منها عاصمة للدولة الفلسطينية.
وتورد الصحيفة نقلا عن كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، قوله: "لن نقابلهم، وهذا هو موقفنا"، واتهم إدارة ترامب بتحيز غير مسبوق لإسرائيل.
ويلفت التقرير إلى أنه يتوقع أن تحتوي الخطة، التي استغرق رسمها حوالي 18 شهرا، على مقترحات أمريكية بحل الخلافات التي استمرت 70 عاما، بما في ذلك وضع القدس، إضافة إلى مقترحات اقتصادية تساعد على التخفيف عن الفلسطينيين، مستدركا بأنه ليس من المتوقع أن ترضي الفلسطينيين، الذين يريدون من إسرائيل التخلي عما احتلته عام 1967.
ويذكر الكتّاب أن إدارة ترامب حاولت الضغط على عباس، من خلال زعماء عرب آخرين، مثل ملك الأردن الملك عبدالله الثاني، الذي قابل وفد كوشنر يوم الثلاثاء، وصرح القصر بأن الملك "شدد على الحاجة للتوصل إلى حل عادل وشامل للسلام"، وقال الملك عبدالله للوفد إنه لا يزال ملتزما بمطالب الفلسطينيين لتحقيق السلام، دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها، مشيرين إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التقى الملك عبدالله الثاني الأسبوع الماضي، والتقاه المسؤولون الفلسطينيون يوم الأربعاء.
وتبين الصحيفة أنه في الوقت الذي يؤكد فيه الأردن على الأرض والقدس، إلا أنه يضغط على الفلسطينيين للجلوس مع الأمريكيين والإسرائيليين، ومقاومة أي شيء لا يوافقون عليه، مستدركة بأن موقف الأردن مختلف عن موقف دول الخليج، التي تتوقع الإدارة أن تقوم بتقديم مساعدات اقتصادية مشجعة للفلسطينيين.
ويستدرك التقرير بأن الملك عبدالله ليس فقط المسؤول عن المقدسات في القدس، بل هناك علاقات كثيرة مع إسرائيل، بما في ذلك حقوق الماء وأمن الحدود، بالإضافة إلى أن هناك حوالي مليوني فلسطيني يعيشون في الأردن، مشيرا إلى أن للأردن حدودا مع كل من سوريا والعراق، ويستضيف ما لا يقل عن 1.3 مليون لاجئ سوري، ما يزيد من الضغط على الاقتصاد المترنح آصلا.
ويكشف الكتّاب عن أن "السعودية والإمارات تدعمان الموقف الفلسطيني علنا، لكن همهما الأكبر هو الخطر الآتي من إيران، وهما سعيدتان بسياسات الإدارة الأمريكية تجاه طهران، وهناك العديد من التقارير في الإعلام الإسرائيلي التي تشير إلى استعداد كل من السعودية والإمارات لدعم الخطة الأمريكية، ولي ذراع عباس لدخول المفاوضات، بالإضافة إلى أن السعودية والإمارات والكويت تقدمت لتوفير مساعدت اقتصادية للأردن، ووعدت بتقديم مليارين ونصف المليار، في الوقت الذي وعدت فيه قطر بتقديم 500 مليون".
وتجد الصحيفة أن قرار ترامب إطلاق خطته دون أن يكون هناك مؤشر بأن عباس سيقبل بها، يعني أن إدارة ترامب تنظر لما بعد الزعيم الثمانيني.
وبحسب التقرير، فإن رئاسة ترامب تميزت بوصول العلاقات الأمريكية الفلسطينية إلى أدنى مستوياتها، حيث اتهم ترامب عباس وحركته فتح بأنهم لم يحترموا نائب الرئيس مايك بنس، برفض مقابلته منذ أن تم الإعلان عن نقل السفارة في 6 كانون الأول/ ديسمبر، وكان ترامب قد اجتمع بعباس قبل ذلك، وتحدث عن أمله في التوسط لتحقيق "صفقة العصر".
ويفيد الكتّاب أن إدارة ترامب ركزت على المبادرات الاقتصادية والإنسانية للضفة الغربية، حيث مقر عباس، وقطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس.
وتنوه الصحيفة إلى أن عباس دخل المستشفى مكررا الشهر الماضي، بما في ذلك مرة طويلة للعلاج من عدوى في الرئتين، وأعلن عن عدم نيته التنحي، مستدركة بأن مسألة خلافة عباس شغلت السياسة الفلسطينية هذا العام، فيما ليس هناك موقف محدد بهذا الشأن لأمريكا، إلا أن المسؤول الكبير قال إن جزءا من استراتيجية أمريكا هو تجاوز الحرس القديم لتسويق الخطة.
وينقل التقرير عن المسؤول، قوله: "نريد أن يسمع الشعب الفلسطيني رسالتنا بشكل مباشر.. إنهم يعطون الكثير من المعلومات الخاطئة، ونحن نريد أن نعالج ذلك"، وأضاف: "هذا لا يعني أننا سنستطيع حل العملية السلمية.. ففي المحصلة إن لم نستطع حل مسألة القدس والأمن فلن يكون هناك اتفاقية سلام، لكن ما يمكن أن يحصل هو تحسين لحياة الناس.. وهم يتطلعون للأمرين، ولا يعتقدون أن بإمكان قيادتهم تحسين حياتهم".
ويقول الكتّاب إن الخلافات بين عباس وفريق ترامب كانت واضحة في الاسابيع الأخيرة، من النقد المتبادل بين عريقات وغرينبلات على صفحات الصحف الإسرائيلية، فنشرت "هآرتس" الأسبوع الماضي مقالا لغرينبلات، بعنوان: "الفلسطينيون يستحقون أفضل بكثير من صائب عريقات"، واتهم عريقات في مقابلة أمريكا بمحاولة تغيير القيادة الفلسطينية والمفاوضين، وقال إن الفلسطينيين عقدوا 35 لقاء مع مسؤولي ترامب قبل قرار القدس، لكنهم الآن لا يرون سببا للتفاعل ثانية.
وقال عريقات: "ليست هناك خطة.. لكن كوشنير وغرينبلات يريدان فرض حل بجعل القدس عاصمة لإسرائيل، وشرعنة المستوطنات، وتغيير الصراع من صراع سياسي إلى صراع إنساني".
وتشير الصحيفة إلى أن القيادة الفلسطينية انتقدت جهود كوشنير وغرينبلات للحصول على مليار دولار لمساعدة غزة، وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي: "بالطبع نريد أن تنتهي المعاناة في غزة.. لكن ما يحاولون فعله هو فصل غزة عن فلسطين، والتعامل مع مخاوف إسرائيل الأمنية، بدلا من البحث عن حل سياسي".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول عشراوي: "يبدو أن الإدارة الأمريكية تتبع استراتيجية الحل الاقتصادي عبر غزة، في الوقت الذي تجعل فيه العالم العربي يدفع الثمن".