مكتوب: ميناء غزة يتآكل وخطط إنقاذه عالقة

ميناء غزة يتآكل وخطط إنقاذه عالقة
ميناء غزة يتآكل وخطط إنقاذه عالقة

الرسالة نت - تحقيق محمد عطا الله

تنحت أمواج البحر المتلاطمة جدار المتنفس الوحيد لأهالي قطاع غزة "الميناء" من كل جوانبه التي بدأت تخفي معالم شكله الجميل، بعد تعثر المشاريع التطويرية والصيانة فيه منذ سنوات، مما ينذر بكارثة خطيرة تجعله يصارع البقاء!

أعراض تآكل لسان الميناء تظهر جليا لكل من يقصد المكان، فيما شقّت الأمواج طريقها في عرضه وباتت تنهش جدرانه التي لم ترمم أو يتم تدعيمها بـالمكعبات الاسمنتية الضخمة والمعروفة بـ"أرجل الغراب" بذريعة غياب التمويل.

التآكل المستمر وغياب أدنى مقومات السلامة بالميناء الوحيد في القطاع والذي سرعان ما تحول إلى مرفأ سياحي يقصده آلاف المواطنين، تسبب قبل ثلاثة أشهر في غرق الطفلة إسراء نائل القريناوي (12 عاماً) بعد أن زلقت قدماها وهي تقف على المكعبات الاسمنتية غرب لسان الميناء.

وسبق هذا الأمر بأسبوع واحد حادثة سقوط مركبة من نوع "كيا سول" بداخلها طفلون وزوج وزوجته داخل حوض الميناء، بعد أن فقدت قائدة المركبة السيطرة وسقطت داخل الحوض الذي يفتقر لأبسط وسائل الحماية، مما تسبب بسقوط مركبة مماثلة من نوع هونداي "i30" في الحوض نفسه قبل أربع سنوات.

هذا الأمر دفع "الرسالة نت " إلى محاولة الوقوف على حيثيات تلك الحوادث والبحث عن أسباب وقوعها، في ظل تكرارها بين حين وآخر.

ويعتبر ميناء غزة البحري قبلة يتوجه لها الغزيون؛ لاعتباره مكان مجانيا، حيث يلجأ اليه الكثير من العائلات التي لا تستطيع زيارة الأماكن والمنتجعات السياحية لغلائها؛ حيث أصبح المكان في الفترة الأخيرة مزاراً عاماً بعد السماح للمواطنين بالدخول إليه وتوفير أماكن خاصة.

عجز وخلاف

ومع بدء نسج خيوط التحقيق فإن مصدرا خاصا أفاد لـ"الرسالة" بوجود حالة من "اللامبالاة" في هذه القضية لدى وزارة النقل والمواصلات في قطاع غزة والضفة، إلى جانب غياب الاهتمام من نقابة الصيادين مما ينذر بكارثة حقيقية ستحل بالميناء.

ويكشف المصدر بأن طاقم وزارة النقل والمواصلات الذي يعمل في الميناء لا يتجاوز الـ 7 مهندسين جلهم موظفي عقود، فيما يوجد ما يقارب الـ 200 عنصر من جهاز الشرطة البحرية التي تتصارع مع الشرطة العادية على الصلاحيات والنفوذ في السيطرة على الميناء، على حد قول المصدر.

مصدر خاص: طاقم وزارة النقل والمواصلات الذي يعمل في الميناء لا يتجاوز الـ 7 مهندسين، أغلبهم موظفي عقود

ويوضح المصدر أنه لم يجر هذا العام تدعيم الميناء بالكتل الإسمنتية من نوع "أرجل الغراب" مما تسبب في تآكل اللسان من الجهة الغربية، دون أي اهتمام من الجهات المسؤولة.

ويؤكد نقيب الصيادين الفلسطينيين نزار عيّاش أن الميناء بحاجة إلى تدعيم وترميم من أجل التصدي للأمواج التي باتت تداهم عمق الميناء وتُعطّل عمل الصيادين، مضيفا أن حوض الميناء يحتاج إلى حفر وإعادة تطوير بسبب ارتفاع منسوب المياه داخله مما يؤدي إلى إعاقة حركة الصيادين.

ويُرجع عيّاش في حديثه لـ"الرسالة" أسباب غياب الاهتمام ومشاريع دعم وتطوير الميناء إلى الوضع السياسي "غير المستقر" وسياسة الحجب عن قطاع غزة، منوها إلى أن نقابته تفتقر لأي مشروع هذا العام لأول مرة منذ 20 عاما.

ويشدد على ضرورة أن تتخطى المؤسسات الدولية الحواجز السياسية وتذهب لتعزيز مشاريع دعم الصيادين والميناء، إلى جانب عمل الحكومة التي تغيب عن أداء دورها في قطاع غزة.

وعن دور نقابته في تطوير الميناء، يشير عيّاش إلى أنهم يخاطبون جميع الأطراف على جميع المستويات لدعم مشاريع ترميم الميناء، لكن دون أي جدوى بسبب غياب المساعدة في هذا الملف وصعوبة تحويل الأموال لقطاع غزة من الجهات المانحة.

مشاكل معقدة

ويُرجع المهندس عادل عطا الله مدير الثروة السمكية بوزارة الزراعة في غزة، غياب تطوير وترميم الميناء إلى غياب التمويل والدعم في الفترة الأخيرة، محملا وزارة النقل والمواصلات مسؤولية التقصير في تطوير وترميم حوض الميناء.

ويضيف عطا الله لـ"الرسالة نت " أن مشاكل الميناء باتت معقدة بسبب تداخل مرسى الصيادين مع المرافئ السياحي، مشددا على ضرورة الفصل بين عمل الصيادين في الصيد والنشاط السياحي.

ويلفت إلى أن بعض التقصير ليس له أي علاقة بالتمويل ولكن يقع على عاتق الجهة المسؤولة عن اختصاصها في الميناء وتأديتها واجبها.

معد التحقيق حمل القضية ووضعها على طاولة وزارة النقل والمواصلات، وهناك قابلنا المهندس محمد سرور نائب مدير عام الطرق في الوزارة، والذي أقر بغياب مشاريع التطوير والترميم للسان الميناء وحوضه، مما تسبب بتآكلها ووجود مشاكل فيها.

ويوضح سرور أنه لا يوجد أي مشاريع من الدول المانحة لتطوير الميناء الذي يتطلب مشاريع كبيرة وتمويلا ضخما، لافتا إلى أنهم يعملون بما هو متاح من تمويل ذاتي بالوزارة ومحاولة الصيانة بقدر المستطاع وما عدا ذلك بحاجة لمشاريع كبرى.

ويؤكد أن غياب الصيانة ومشاريع التطوير للميناء هي سبب الحوادث فيه، مبينا أنهم عقدوا لقاءات متواصلة مع جميع الجهات وخرجوا بتوصيات، لكنها تفتقد للتمويل من أجل تنفيذها.

ويُبيّن نائب مدير عام الطرق أن المسؤولية وغياب الاهتمام يقع على عاتق جميع الجهات المشرفة على الميناء وليس هم وحدهم الذين يشرفون على هذه المرافئ من ناحية إدارية فقط، مشددا على أن بعض الحوادث هي مسؤولية الأجهزة الأمنية التي يفترض أن تؤدي المهام الملقاة على عاتقها.

ويتابع سرور" هناك مناطق خطرة بحاجة إلى أسيجة ودرابزين لحماية المصطفين، وما دون ذلك نحن بحاجة لمشاريع مثل جدران باطون واغلاق لبعض المناطق الخطرة بالأسورة وإنشاء بوابات آمنة يمكن غلقها وفتحها في وقتها المناسب".

تصميم خاطئ

المختص في شأن المراقب الساحلية محمد عبد ربه يؤكد أن تصميم الميناء بالشكل الهندسي "الخاطئ" منذ انشائه قبل 25 عاما، يؤدي إلى حجز الرسوبيات التي تسير مع التيار باتجاه الشمال.

ويرى عبد ربه في حديثه لـ"الرسالة" أن التيار البحري هو سبب تآكل لسان الميناء إلى جانب عدم تدعيم الهيكل نفسه يتسبب أيضا في مشاكل تآكل الشاطئ في مخيم الشاطئ، في ظل غياب خطط إنقاذه من جهات الاختصاص.

مختصون: يجب إزالة الميناء وإعادة بنائه على أسس وقواعد علمية؛ لمواجهة ظاهرة التآكل

ويشدد أن الميناء في تصميمه لا يلبي الاحتياجات المرجوة منه وهو بحاجة لحلول هندسية لحماية الشاطئ، بدلا من بقائه يواجه الأمواج المتلاطمة ويتآكل دون وجود خطط تطويرية فيه.

وينوه إلى ضرورة إعادة تصميم كاسر الميناء الطويل عبر بعض الحلول الهندسية الضخمة والتي من المفترض ان يتم أخذها بعين الاعتبار مثل انشاء بعض المدرجات الصخرية وتعزيزه بالكتل الاسمنتية الضخمة بشكل متواصل.

وينصح الخبير في إدارة السواحل الدكتور مازن أبو الطيف بإزالة ميناء غزة البحري وإعادة بنائه على أسس وقواعد علمية، كحل آخر وأساسي لمواجهة ظاهرة التآكل خاصة في ظل الانهيارات المتكررة التي تحدث بداخله ولكونه أنشئ بشكل عشوائي وغير مدروس بتكلفة تقدر ب30 ألف دولار.

وفي دراسة أعدها أبو الطيف المحاضر في قسم الهندسة البيئية في الجامعة الإسلامية أكد أن ظاهرة النحر موجودة منذ العام 1972م لكنها بدت واضحة بعد الانتهاء من انشاء الميناء في العام 1998م.

ويؤكد أن المنازل الواقعة شمال الميناء مهددة بالانهيار، مشيرا إلى غياب الجهود الحكومية لحل الأزمة كما أن الحلول الفردية كتلك الكتل الخرسانية الموجودة مقابل منطقة أبو حصيرة فهي تحمي الشاطئ لفترة معينة غير أنها غير مقبولة جماليا ولا بيئيا.

حلول تقريعية

معد التحقيق حاول طرق باب سلطة الموانئ بغزة وهناك قابلنا رئيسها خليل الزيان، الذي أكد أن الميناء يعاني في الآونة الأخيرة من غياب مشاريع التطوير والتمويل اللازم لها، مما ينذر بانعكاسات خطيرة جدا على مراكب الصيادين وتضررها أو حتى على الميناء ككل خاصة مع استمرار الاختراقات في الجدار الاسمنتي وتآكل اللسان.

ويشير الزيان إلى أنهم يحاولون تدعيم اللسان بشكل دوري كل عام ضمن محاولة ترقيعية، فيما تبقى الإشكاليات الأساسية والتي تحتاج إلى تمويل كبير قائمة.

ويضيف قائلا: " نوصل عملية اسعاف للسان خوفا عليه من السقوط ولتفادي خطر كبير لكنها تبقى حلول ترقيعية وندعو كل الجهات العربية والدولية لدعم وتعزيز هذه المرافئ لأنها المتنفس الوحيد في غزة والذي تعتاش منه آلاف الأسر الفلسطينية".

وحول دورهم يشدد على أنهم يتواصلون مع الجهات المعنية والمؤسسات الدولية لوقف هذا النزيف والذي هو بحاجة لحلول جذرية، يحول بتنفيذها الحصار الإسرائيلي الذي يضرب كل مناحي الحياة في القطاع.

ويلفت الزيان إلى أن حالات تسلق الجدار الغربي للميناء من قبل المواطنين ووفاة الفتاة وبعض الحوادث مسؤولية الشرطة البحرية التي من المفترض أن تعزز تواجدها في الميناء، إلى جانب غياب الثقافة الصحيحة لدى بعض المواطنين.

في مقر جهاز الشرطة البحرية بغزة قابلنا العميد محمد النخالة نائب مدير الجهاز، الذي أوضح أن الميناء منطقة سياحية مفتوحة وترفيهية لعامة الناس، ولا يستطيعون منع أي مواطن من الدخول لها وبالتالي هي معرضة للحوادث.

ويقول النخالة لـ"الرسالة" إن عدد السياح والمصطافين داخل الميناء كبير وهم يحاولون العمل وتأمين المكان بقدر المستطاع إلا أنه يتبقى بعض الثغرات، مضيفا " هناك إجراءات متعلقة بالسلامة ومنذ تولينا مهامنا قبل عامين نطالب ببعض التحسينات فيها، دون أي استجابة من الجهة المسؤولة وهي وزارة المواصلات، إلا بعد غرق الفتاة ووفاتها فقد شرعت بإقامة بعضها، كالسياج الذي تم وضعه مؤخرا".

ويشير إلى أن بعض الحوادث تقع على عاتق المواطنين أنفسهم وليس على عاتق الشرطة التي تقوم بواجباتها بقدر الإمكان، طالبنا بإنارة الميناء ووضع كاميرات ودربزين لحماية السياح والمركبات ولكن الظرف السياسي والفراغ الحكومي الذي نعيشه يحول دون ذلك.

نقيب الصيادين: الميناء بحاجة للتدعيم ومنسوب الرمال في حوضه مرتفع

ينفي النخالة نائب قائد شرطة البحرية وجود خلاف على الصلاحيات بينهم وبين جهاز الشرطة، مردفا " أجهزة الداخلية تعمل بتكامل واضح ومسألة وجود صراع مبالغ فيها بشكل كبير وكل جهاز يعرف صلاحياته وهو ليس خلافا بقدر ما هو نوع من زيادة التكامل بين الأجهزة".

وأمام ما سبق يبقى من المهم على الجهات المختصة أخذ هذه القضية على محمل الجد والبدء بحلول تُنهي تآكل لسان الميناء وتعمل على تطويره وتعزيز سبل الأمن والسلامة والحماية بداخله، لمنع تكرار تلك الحوادث.

البث المباشر