قائد الطوفان قائد الطوفان

بعد ان ابتلعت الأمواج الشاطئ

شارع الرشيد آيل للغرق وخطط إنقاذه عالقة

شارع الرشيد آيل للغرق وخطط إنقاذه عالقة
شارع الرشيد آيل للغرق وخطط إنقاذه عالقة

الرسالة نت-لميس الهمص

ينظر السبعيني رمضان مقداد من مخيم الشاطئ غرب مدينة بحسرة إلى شاطئ البحر قبالة منزله وهو يختفي أمام عينيه، ويدفن في أعماقه مئات الذكريات لسكان المنطقة وصياديها، فبعد أن كانوا يتنعمون برمال شاطئه الذهبية غاب عنهم متنفسهم الوحيد في غزة.

ساحل المخيم المطل على الشاطئ بمسافة 2 كيلو متر اختفى في داخل البحر بفعل تآكل الشاطئ، حتى بات شارع الرشيد (وهو الشارع الرئيسي المطل على البحر المتوسط من أقصى شمال القطاع وحتى جنوبه) مهدد بالانهيار في أية لحظة بتلك المنطقة.

إهمال المشكلة من الجهات المسؤولة والتي تتذرع بضعف التمويل على طول السنوات الماضية ضاعف من مخاطرها خاصة وأنها اكتفت بالحلول الترقيعية والفردية، رغم أنها بدأت بالتفاقم مع إنشاء الميناء البحري في العام 1994م.

مشكلة تآكل الشاطئ لم تقف على حدود مخيم الشاطئ بل امتدت شمالا حتى وصلت شواطئ مدينة بيت لاهيا ليبلغ متوسط حجم التآكل سنويا مترين تزداد وتقل بحسب القرب من الميناء، لتظهر الدراسات أن حجم الشاطئ الذي فقد على امتداد السنوات العشر الماضية يزيد عن 37 مترا.

ذكريات مدفونة

مشكلة تآكل الشاطئ والمعروفة علميا "بالنحر البحري" بدأت بالظهور حديثا (أقل من عقد)، وهي تحمل تداعيات خطيرة على النواحي الاقتصادية والسياحية والبيئية والاجتماعية.

تلك الظاهرة تعد كارثة بحسب المختصين، وتظهر آثارها جلية شمال ميناء الصيادين وصولا لمدينة بيت لاهيا (9 كيلو مترات)، في المقابل يزداد الشاطئ اتساعا في المناطق الجنوبية للميناء.

ويفسر منتصر بكرون مدير التخطيط والتطوير في سلطة الموانئ بوزارة المواصلات ما يحدث بأنه ناتج عن التيارات البحرية التي ترتطم في الشاطئ بزاوية عامودية، لذا فإن التيارات تقل سرعتها قبل الميناء فتفرغ حمولتها من الرمال إلى الجنوب منه، فيما تحمل كميات أخرى بديلة من شماله.

"

2 كيلو متر من شاطئ البحر مهددة بالابتلاع

"

الحاج مقداد الذي قالبته "الرسالة نت" على شاطئ المخيم أكد أنهم يلاحظون تآكل الشاطئ عاما بعد الآخر، موضحا أن الحلول فردية يقوم عليها أصحاب المباني على الشاطئ وبعض الصيادين لحفظ سفنهم من خلال وضع كتل إسمنتية من الركام على الشاطئ.

وعاينت "الرسالة نت" العديد من المباني الأثرية تتلاطمها الأمواج، وبقايا بئر على شاطئ البحر تشير إلى حياة كانت في المكان، ما يؤكد وجود مساحة كافية أمام المنازل تسمح لسكانها العيش بعيدا عن تهديد أمواج البحر.

عطية البرش المختص البيئي بسلطة جودة البيئة قال لـ"الرسالة" إن مشكلة تقدم البحر باتجاه اليابسة تفقد غزة متنفسها الوحيد، كما أنها تحرم عشرات الأسر من دخلها السنوي الذي يعتمد على نصب استراحات على شاطئ البحر.

المخاطر لا تتوقف عند ذلك الحد بل إن العشرات من الأبنية والشوارع مهددة بالغرق داخل البحر في حال استمرت المشكلة وأهمها شارع الرشيد والفنادق والمساجد القريبة من شاطئ البحر، خاصة وان "الرسالة" عاينت العديد من الانهيارات في جدران وأدراج تابعة لفندق المشتل والموجودة على شاطئ البحر، كما أنها لاحظت اقتراب المياه بشكل لافت من مسجد الخالدي وشارع الرشيد في المناطق الواقعة شمال الميناء وخاصة مخيم الشاطئ.

وبحسب البرش فإن الظاهرة تعود لسببين: الأول طبيعي يتلخص فيما أثبتته الهيئة المعنية بتغير المناخ في الامم المتحدة بأن البحر المتوسط ارتفع في القرن الماضي لمساحة 17 سم، لكن السبب الأهم هو إقامة ميناء غزة البحري بشكل هندسي خاطئ دون إكمال بنائه على قواعد سليمة.

حلول غائبة

ومن الواضح أن التعامل مع الأزمة خلال السنوات الماضية قبل فرض الحصار(2007) ومنذ إنشاء الميناء لم يكن من أولويات السلطة خاصة وأن التوجه كان نحو اقامة الميناء، دون الأخذ بعين الاعتبار تأثيراتها السلبية على الساحل.

ويحتاج مخيم الشاطئ المتضرر الأكبر من الظاهرة لإنشاء عشرة ألسنة وفق سلطة البيئة، لكن ذلك لم يكن ممكنا بسبب الحصار وإغلاق المعابر خلال الفترة الماضية، حسب "البيئة".

"

المياه تزحف باتجاه منازل المواطنين

"

و"الألسنة البحرية" عبارة عن شريط أو جسر ضيّق يتكون غالباً من الرواسب الرملية أو الحصوية البارزة على سطح البحر، وتستخدم لأغراض سياحية أو لتصريف مياه الصرف الصحي، وتساعد على تركيز أمواج البحر في الشق الشمالي من اللسان، وذلك يؤدي إلى نحر في رمال الشاطئ، وترسيب جهة على حساب جهة أخرى.

وتشير احصائيات صادرة عن سلطة البيئة أن البحر تقدم خلال الثلاثين سنة الماضية في مخيم الشاطئ لمسافة 120 مترا، وقدرت مسافة التقدم ما بين متر إلى مترين سنويا وهي مسافة ليست بالهينة وفق المختصين، وهو ما ينذر في حال عدم حل الأزمة بانهيار شارع الرشيد ووصول المياه إلى منازل المواطنين خلال السنوات القليلة القادمة.

وتظهر الصور الجوية لمنطقة الشاطئ وشمالها تآكلا في الشاطئ بشكل ملحوظ من عام لآخر، خاصة وان ظاهرة النحر امتدت لتصل حتى شاطئ المحافظة الشمالية.

""

وبحسب البرش فإن عرض الشاطئ في المنطقة الواقعة بالقرب من حي "السودانية" في العام 2004 بلغ 143م لكن ذلك العرض تقلص مع حلول العام الجاري ليصل لــــ106 أي أن المنطقة فقدت 37 مترا من الشاطئ خلال عشر سنوات.

وبمجرد مرورك على طول الشاطئ شمال القطاع ستجد أن أبراج الإنقاذ التي تستخدمها البلديات قد ابتلعتها مياه البحر، كما أن العديد من ملاعب الطائرة في تلك المنطقة لاقت ذات المصير، ما يعني أن العائلات حرمت من الاصطياف على شواطئ تلك المناطق أيضا.

ويشير البرش إلى أن سلطة البيئة انتهت من تجهيز مشروع قائم على استغلال ركام الحرب الأخيرة في عمل ألسنة، والتي ستساعد في تقليل ظاهرة النحر البحري واسترجاع أجزاء من شاطئ البحر.

ولأن المشروع يحتاج إلى ميزانيات ضخمة لنقل الركام إلى الشاطئ، فإن سلطة البيئة تعلق آمالا على أن تشتملها مشاريع إعادة إعمار غزة على ضوء ما فعلته الحرب الأخيرة، خاصة وانها (أي سلطة البيئة) تترأس لجنة التخلص الآمن من الركام.

ولقلة الامكانيات الحكومية وتأخرها في معالجة المشكلة لجأ عدد من الفنادق والقائمون على مسجد الخالدي لعمل ألسنة بحرية قبالة مبانيهم بجهود فردية وباستخدام أجزاء من ركام المنازل لحماية منشئاتهم من الانهيار.

""

ونتيجة لتلك الألسنة والتي تعتبر حلولا مؤقتة لا تغني عن حل حكومي دائم لاحظت "الرسالة" عودة أجزاء من الشاطئ الذي كان مدفونا تحت المياه في تلك المنطقة بسبب تأثيرات تلك الألسنة، ما يعني أن تنفيذ مشروع سلطة البيئة سيساهم في استعادة الشاطئ ولو بشكل مؤقت.

سينهار في أي لحظة

بكرون، وهو مدير التخطيط والتطوير في سلطة الموانئ بوزارة المواصلات، أكد "للرسالة" إن شارع الرشيد مهدد بالانهيار في أية لحظة، مشيرا إلى ان ما يمنع ذلك إقدام البلدية على وضع كتل إسمنتية من الركام على الشاطئ كل فترة لتقلل من التآكل.

وذكر أن العديد من المشاريع مطروحة لكن الجهات الحكومية غير قادرة على تنفيذ أي منها بسب الحصار وقلة التمويل.

"الرسالة نت" التقت عبد الرحيم أبو القمبز مدير عام الصحة والبيئة في بلدية غزة للحديث معه حول الإجراءات التي تتخذها البلدية لحماية منطقة الشاطئ التي تقع ضمن نفوذ مدينة غزة والذي قال بدوره إن بلديته منذ سنوات تواصلت مع الجهات الدولية للمساهمة في حل المشكلة خاصة وكالة الغوث التي تتحمل مسؤولية العناية بمخيمات اللاجئين.

وبحسب أبو القمبز فإن وضع الشاطئ بحاجة تدخل كل الجهات لحمايته، موضحا أن بلديته ستسعى لتوفير مشروع دعم الشاطئ بالكواسر والالسنة من ركام المنازل بالتعاون مع سلطة البيئة لاستعادة الشاطئ وحماية شارع الرشيد.

لكن ذلك المشروع يحتاج إلى ميزانيات ضخمة كما يؤكد أبو القمبز بسبب التكلفة العالية لنقل الركام، مشيرا إلى أن حل القضية النهائي يكمن في مشروع استراتيجي قائم على وضع كواسر أمواج بمواصفات علمية.

"

مئات المنازل وعدد من الفنادق مهددة بالغرق جراء تآكل الشاطئ

"

ويرى مدير عام الصحة والبيئة في بلدية غزة إن وكالة الغوث مسؤولة عن المخيمات وبصفتها مؤسسة دولية يسمح لها بجلب دعم للعديد من المشاريع الاستراتيجية، فكيف بمشروع يؤثر على حياة الآلاف من المواطنين؟، داعيا أن يكون المشروع ضمن سلم أولوياتها.

ويعترف أبو القمبز أن أمكانيات بلديته لا تسمح بعمل أي حلول حالية لذا ليس أمامهم سوى المناشدة ودق ناقوس الخطر.

""

وكانت وكالة الغوث قد أنشأت في العام 2002م جدار حماية مكون من أقفاص حديدية مليئة بالصخور لتوقف تقدم المياه باتجاه الشارع ومنازل المواطنين، لكن ومع مضي عشر سنوات على المشروع لم يعد ذا فائدة بسبب تحطم أجزائه بفعل تلاطم الأمواج.

وقوع مخيم الشاطئ تحت ادارة وكالة الغوث دعا "الرسالة نت" للتوجه "للأونروا" من أجل الحديث معهم حول الكارثة المحدقة بالمخيم ودورها في إيجاد حلول للمشكلة إلا أنها رفضت إجراء المقابلة رغم طلبها إرسال بريد إلكتروني يتضمن الأسئلة المراد الاجابة عليها، لكنهم أبلغوا "الرسالة" بعد أسبوع من وصلول "الإيميل" عن اعتذارهم عن إجراء المقابلة ما قد يُفسر بتنصلهم من المسؤولية الواقعة على عاتقهم.

حلول في انتظار التطبيق

الخبير في إدارة السواحل الدكتور مازن أبو الطيف نصح بإزالة ميناء غزة البحري وإعادة بنائه على أسس وقواعد علمية، كحل آخر وأساسي لمواجهة ظاهرة التآكل خاصة في ظل الانهيارات المتكررة التي تحدث بداخله ولكونه أنشئ بشكل عشوائي وغير مدروس بتكلفة تقدر ب30 ألف دولار.

وفي دراسة أعدها أبو الطيف المحاضر في قسم الهندسة البيئية في الجامعة الإسلامية أكدت أن ظاهرة النحر موجودة منذ العام 72م لكنها بدت واضحة بعد الانتهاء من انشاء الميناء في العام 98م.

ويؤكد أن المنازل مهددة بالانهيار، مشيرا إلى غياب الجهود الحكومية لحل الأزمة كما أن الحلول الفردية كتلك الكتل الخرسانية الموجودة مقابل منطقة أبو حصيرة فهي تحمي الشاطئ لفترة معينة غير أنها غير مقبولة جماليا ولا بيئيا.

وبحسب أبو الطيف فإن مشروع وكالة الغوث الذي أنشئ في العام 2002م لم يكن ذا جدوى كبيرة خاصة وانه لم يعالج المشكلة بل وجد لمجرد حماية الشارع والمنازل وتأخير وصول المياه إليها.

وتشير دارسة الخبير في إدارة السواحل أن معدل تراجع الشاطئ تبلغ متر سنويا تختلف من منطقة إلى أخرى، موضحة أن اكتر من 160 مترا اصبحت داخل البحر في بعض المناطق.

وتجمع الجهات التي قابلتها "الرسالة نت" أن الحل الأمثل يكمن بإنشاء عوارض موازية للشاطئ لا عمودية عليه، وهي تتمثل بكواسر في عرض البحر بطول 150 متر تقريبا وتفصل مسافة فيما بينها تقدر بقرابة 400م.

لكن تلك الكواسر تحتاج لإمكانيات ضخمة لا تملكها أي من تلك الجهات لذا ستلجأ إلى استخدام الركام بهدف عمل ألسنة طولية داخل البحر.

ويذكر أن دولة الاحتلال تستخدم الكواسر في حماية شواطئها والتي تستغل فيها موارد الضفة من خلال سرقة تلك الصخور لإنشائها فيما تمنع إدخالها للقطاع.

ويبين أبو الطيف أن الألسنة التي أقدمت الفنادق على انشائها بشكل فردي غير كافية في حماية تلك المنشئات كون أي عاصفة يمكن أن تدمرها، موضحا أنه يمكن استغلال الألسنة المكونة من الركام إلى داخل البحر وعمل كواسر موازية في البحر باستخدام الركام أيضا ومن ثم إزالة تلك الالسنة خاصة وان المعيق هو كيفية تنفيذ ذلك دون وجود معدات لذلك.

""

ويشير إلى أن هناك تآكل في شاطئ مدينة رفح بدأ بالظهور حديثا نتيجة للمينا المصرية والتي تؤثر على المدينة.

وبحسب الطيف فإن النحر في المناطق التي يوجد بها حماية ولو كانت عشوائية يقل، ليزداد بشكل مضاعف في المناطق التي تجاورها شمالا.

ومن ناحيته يعتبر مدير التخطيط والتطوير في سلطة الموانئ بكرون أن إعادة إنشاء الميناء مقترح خيالي في ظل عدم إمكانية تطبيق مشاريع أقل تكلفة، مؤكدا أن الخيارات عند إنشاء الميناء كانت محدودة خاصة مع رفض الاحتلال إنشاءه شمال القطاع لكونه سيؤدي للنحر في شواطئ الاحتلال.

"الرسالة" ومن خلال تحقيقها دقت ناقوس الخطر أمام الأطراف المعنية قبل أن يقع "الفاس في الراس" ويقضم البحر مخيم الشاطئ ابتداء، ويمتد حتى نهاية شاطئ المحافظة الشمالية، آخذا في طريقه العديد من المنشئات والمباني السياحية إذا لم تتخذ خطوات عملية لتلافي تهديد مأوى المواطنين.

البث المباشر