قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: في دكان الحبوب.. نحّات يحلم بالعالمية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

غزة - محمد بلّو

رائحة البهارات في الأواني إلى جوار قطع (الأنتيكا) والمنحوتات التي يمتلكها نشأت عدوان - 27 عاما- في دكانه الصغير تثير مشاعر مختلطة عن حالة الحلم والأمل وسط الصعاب.

في منطقة الحساينة غرب مخيم النصيرات التي يعمل جزء كبير من سكانها في الزراعة افتتح الشاب "عدوان" دكاناً صغيراً يبيع فيه البهارات والأعلاف ويمارس فيه هواية النحت على حجر الجير.

حينما علمت "الرسالة" بهوايته التي ظلت حبيسة الحي، قابلته لتكشف عن موهبته الفنية المحاصرة وتتطلع إلى العالم الخارجي.

رائحة نفّاثة تداهم الأنف فهي خليط من روائح الحبوب وتحف فنيّة حينما يلج أي أحد إلى دكان "عدوان" الذي لا تتجاوز مساحته (4) متر مربع أرضيته معظمها مشغولة بأكياس الحبوب والأعلاف التي توائم أعمال جيرانه وعلى الرفوف ترقد قطع فنيّة من صنع يديه.

يحكي عدوان إن هوايته بدأت من عمر الثالثة عشر حين كان يرسم على الورق لزملائه في المدرسة لكن انقطاعه عن الدراسة في الصف العاشر عزز رغبته في إخراج موهبته التي شقت طريقها فوق خطوط الحجر الجيري.

تلونت راحتا "نشأت" من غبار الحجر الجيري الذي ينحت فوقه مجسّماً لسفينة شراعية يعالج تفاصيلها بالشاكوش والإزميل مبرزاً معظم ملامحها.

ينفض يديه من غبار الجير متابعاً حكايته:" تركت الدراسة في الصف العاشر لكنني قرأت دوماً عن الرسامين والنحّاتين الكبار مثل مايكل أنجيلو وليوناردو دافينشي وبدأت أخرج إحساسي وأنحت ولولا النحت لما وصلتنا حضارات الأمم السابقة فالنحت أوصل لنا شكل وثقافة الحياة القديمة".

جولة نشأت للتعريف بمشغولاته لا تتجاوز خطوتين نظراً لضيق المكان حين يبدأ في الإشارة للجدار الغربي الذي ترقد فوقه لوحات مرسومة عن الربيع ثم ينتقل للتعريف بمنحوتات مضى عليها زمن وأخرى طازجة.

ويضيف:"أنا هنا منقطع عن العالم في محلي الصغير وقد أنجزت طوال سنوات منحوتات فهذه أسميتها زهرة المدائن وهي جزء من ساحة الأقصى وقبّة الصخرة وهذا شمعدان كبير وهذه سفينة صغيرة أما هذه القطعة الكبيرة فهي بئر المياه وما يحيط به الذي كان يسقى منه أهلنا الماء قديماً".

على أحد الرفوف تجمد الزمن كاشفاً عن صفحتي كتاب عجزتا عن الحركة، وقد أدركت "الرسالة" بعدها أنه تحفة من الحجر الجيري كتب فوق صفحتيه المشرعتين حكاية دير القديس (هيلاريون) الذي يقع على بعد مئات الأمتار من منزله.

ولا يخترق خلوة نشأت الفنيّة سوى بعض الزبائن الراغبين في الحصول على أعلاف الدواجن والماشية أو أصناف محدودة من البهارات من دكانه الصغير فيما يرتب هو الدكان بطريقة تحفظ المواد المباعة في أمان عن التحف وقطع (الأنتيكا) التي يشتريها من أسواق القطاع الشعبية أينما وجدها.

وعلى لوحة صغيرة مربعة الشكل رسم نشأت بالحفر البارز صورة كان قد رسمها النحّات اليوناني القديم (آتيتوس) قبل (2000) عام يحرّكها نشأت بعناية اعتزازاً بها.

ويتابع:"تأتيني الفكرة في مخيلتي والآن أنحت سفينة شراعية لأنني دائماً أتردد على البحر وهي ترمز للأمل الموجود في الحياة لكن أجواء حصار ومعاناة غزة تؤثر على أي فنان فهو بحاجة للتواصل مع العالم الخارجي وخبراء الفن والنحّاتين وأنا منقطع عن العالم سوى من قراءة وبحث بسيط عن معلومات النحت في الانترنت ".

ويعدّ الحصول على الحجر الجيري بالنسبة للنحّات الشاب عدوان صعبا، فهو يضطر للبحث عنه طويلاً قرب شاطئ البحر وتخزين ما أمكن تخزينه.

ويحتفظ نشأت بكمية من حجر الجير التي ترقد فوق أحد الرفوف تعدّ مخزوناً استراتيجياً لهواية النحت التي يستخدمها متى استدعى الخيال قطعةً فنيّة.

ولا يملك النحّات نشأت عدوان الأدوات المناسبة لإتقان هواية النحت وكل ما يتمناه أن تتاح له الفرصة للتواصل أكثر مع العالم الخارجي خاصةّ عالم الفنانين في النحت أملاً في أن يتبنى أحد موهبته ويأخذ بيده للتواصل مع العالم وتطوير إمكاناته.

البث المباشر