غزة – الرسالة نت
كانت تحلم بأن تخرج من "المعرش" الملاصق لمحررة "دوغيت" الذي كان مرتعا للثعابين والقوارض، إلى مكان أفضل، لكن القدر حط بها في شقة مستأجرة لا تدخلها الشمس تكفل فاعل خير بدفع إيجارها لأشهر حتى تتمكن من تدبير أمورها مع بناتها الخمسة، والبحث عن مسكن يجمعهم.
كانت تلك المرأة التي تحفظت حتى على ذكر كنيتها تعيش مع زوجها في منطقة متاخمة للحدود الشمالية، ومع اشتداد الانتفاضة أجبرهم العدو على الرحيل لمنطقة أكثر بعدا عن الحدود.
لم تبعد المرأة كثيرا حتى رست في أرض لا تعرف أن كانت حكومية أو ملكا لشخص، وبنت "معرشا" ليأويها مع بناتها بعد أن تزوج زوجها بامرأة أخرى ولم يعد حتى يسأل عن حالهم.
آثرت الأم البقاء مع بناتها الخمسة رغم المكان غير المناسب للعيش الآدمي وتغزوه القوارض والثعابين، مما حول حياتهم إلى رعب.
مرت السنون إلى أن اضطرت لمغادرة الأرض التي تسكن عليها بعد بيعها لتجار، حينها بات مصيرها مجهولا، فلا تجد مكانا يأويها حتى لو كان كمأواها السابق.
لم يضيعها الله كما تقول حيث وجدت فاعل خير يقف بجانبها وتكفل بدفع إيجار شقة تجمعها وبناتها إلى أن تتمكن من تدبير أمورها سواء من جمعيات أو مؤسسات رسمية تتكفل بتوفير مسكن لها.
بدا السخط على ملامح المرأة التي تتحدث عن معاناتها مع المؤسسات الرسمية والأهلية وهي تدور عليها لمساعدتها دون جدوى بحجة أنها لا زالت على ذمة رجل مما تركها تصارع مرارة الأيام وحيدة.
وتخشى الأم أن تطول الأيام دون أن تجد من يساعدها بتوفير مسكن، ويضطر المتكفل بالإيجار للتوقف عن دفع إيجار الشقة.
وتقسم الأم أنها تعتمد على مساعدات الناس في توفير بعض المصاريف حتى ولو كانت محدودة، وتقول " في رمضان تصلني بعض الصدقات، لكن لا نجد من يساعدنا بعد انتهاء الشهر".
رغم الألم لم تسلم الأم بمصيرها القاتم، وكافحت للحصول على شهادة الثانوية العامة بعدما كانت تحمل شهادة الابتدائية فقط، وقد تمكنت من اجتيازها.
كانت تعتقد أن شهادة الثانوية سلاحا ستقاتل به للحصول على وظيفة ما، أو أن تجد جهة تتكفل بمساعدتها في استكمال دراستها الجامعية، كي تتمكن من تأهيلها لسوق العمل، إلا أن آمالها ذهبت أدراج الرياح حينما لم تجد من يساندها.
ولا تدخل الشمس إلى الشقة المستأجرة التي تبدو مظلمة في وضح النهار لاسيما مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي.
ولاحظت "الرسالة" خلو الشقة من أدنى متطلبات الحياة، سوى بعض الفرشات، وثلاجة مهترئة معطلة لم تتمكن الأم من إصلاحها لعدم توفر الأموال.
وتقول "والله بشحد المي الباردة من الجيران، نفسي أصلح الثلاجة".
وتحمل الأم هم بناتها اللواتي وستلتحق أربعة منهن بالعام الدراسي المقبل، وأخرى برياض الأطفال، وتتابع " لم أعد قادرة على توفير مصروفهن اليومي".
وتحلم الأم بعمل بسيط يمكنها من توفير متطلبات بناتها، وتضيف " ما بحب أعيش على المنية، والله لولا بنات في رقبتي ، كان ما بدي اشي من حدا، والله بفكر وكتيش ربنا يأخذ أمانته وارتاح.