يعي غالبية رجالات السلطة الذين شاركوا في طبخة أوسلو أنها باتت غير مجدية ولم تجلب سوى الخراب للقضية الفلسطينية في ظل تنصل الاحتلال منها، وذكر عدد كبير منهم أن أوسلو لم تعد صالحة للتطبيق إلا أن تلك القيادات تفتقد لقرار عملي وجريء للتحرر منها.
ورغم تهديد السلطة أكثر من مرة، وقرار المجلس الوطني بضرورة التحلل من أوسلو ووقف التنسيق الأمني إلا أن شيئا لم يحدث.
تصريحات عديدة خرجت على لسان مهندسي الاتفاقية تنتقد ما حدث وكان آخرها ما صرح به الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قائلا: إن الخطأ الأساسي في اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل) العام 1993 هو عدم وجود اعتراف متبادل بين دولة فلسطين ودولة (إسرائيل) على حدود 1976.
وأوضح عريقات، في مؤتمر صحافي، أن (إسرائيل) تواصل احتلال غالبية الأراضي الفلسطينية وتواصل التوسع الاستيطاني وفرض الإملاءات، والحصار، وإصدار القوانين العنصرية.
وقال: "لم يكن الخطأ في توقيع اتفاق أوسلو، إنما بالممارسات الإسرائيلية اعتقاداً منهم باستبدال خيار الدولتين بدولة عنصرية، وطلبنا في حينه اعترافاً إسرائيلياً بالدولة الفلسطينية، ولكن الجانب الإسرائيلي أصر ورفض، وكان هذا هو الخطأ الأساسي، والآن لابد من تعليق الاعتراف بـ(إسرائيل) لحين الاعتراف بالدولة الفلسطينية كما جاء في قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير".
ولفت إلى أن نتنياهو دمر "أوسلو" ودمر حل الدولتين عبر سياسات حكومته العنصرية، والتي كان آخرها قانون القومية، موجهاً انتقاداً لاذعاً لسفير الولايات المتحدة في (إسرائيل) ديفيد فريدمان، ووصفه بـ "سمسار أراضٍ ومحامي إفلاس" وليس "رجلَ دولة".
بدوره أكَّد المتحدّث باسم حركة فتح د. عاطف أبو سيف، أنَّ القيادة في حالة مراجعة شاملة للعلاقة مع الاحتلال، خاصة في ظلِّ عدم التزامه بالاتفاقيات الموقَّعة، وإفشالها لكلِّ الجهود التي بذلها المجتمع الدولي من أجل تحقيق السلام.
وأوضح أبو سيف في تصريح صحفي أن القيادة تعيد النظر في قرار الاعتراف بـ(إسرائيل) الذي كان شرطًا أساسيًّا لاتفاق أوسلو.
وفي (4 مايو/ أيار الماضي)، كلّف المجلس الوطني، في ختام اجتماعاته التي استمرت (4) أيام، اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدراسة تعليق الاعتراف بـ(إسرائيل)، والانسحاب من الاتفاقيات الاقتصادية معها، لحين اعترافها بدولة فلسطين على حدود (1967)، وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان.
ويجزم مراقبون بأن السلطة الفلسطينية وعلى الرغم من تهديدها المتكرر بالتحرر من اتفاق "أوسلو" وتشكيلها لجانا لتنفيذ ذلك، إلا أنها تعلم تمامًا أن معنى التنفيذ على أرض الواقع هو فرض جملة عقوبات أمريكية وإسرائيلية عليها لذلك سيبقى الأمر محل التهديد لا أكثر.
الكاتب والمحلل السياسي الدكتور يوسف رزقة قال: مرت الذكرى رقم 25 على توقيع اتفاقية أوسلو، وما زال الخلاف الفلسطيني على الاتفاقية قائما، غير أن المتمسكين بها، والمدافعين عنها، في تآكل مستمر، حتى باتوا ينحصرون في محمود عباس وحاشيته المقربة منه، والتي ربطت مصيرها بالمحتل ورضوانه.
وذكر في مقال له "خمسة وعشرون عامًا عجافًا مرت على اتفاقية أوسلو، ولم يتم التحرير، ولم تقم الدولة الفلسطينية، ولم يستقل الاقتصاد الفلسطيني، ولم يقترب الفلسطينيون من حقوقهم وحريتهم، وضاعت القدس، وزادت المستوطنات في الضفة والقدس، وتجري عملية شطب الأونروا من الوجود على قدم وساق، والتوطين يسير بخطى واثقة وبطيئة، والشعب الفلسطيني مقسم، والمقاومة مقموعة، والعمالة للمحتل مقدسة".
وأضاف: وعباس يضرب كفا بكف، وعريقات يعض على أصابعه، ويقول إن الخطأ الاستراتيجي الأسوأ في أوسلو أنه لا يقوم على اعتراف متبادل، ويقول ياسر عبد ربه: لقد خدعنا شعبنا وضللناه باتفاقية أوسلو! ويقول حسن عصفور آن الأوان لقلب الطاولة على (إسرائيل)، ويمكن القول إنه لم يبق مدافع عن أوسلو بصوت مرتفع إلا حسين الشيخ، وزير الشئون المدنية في حكومة الحمد الله؟!
وقبل عدة أعوام اعترف عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح وأحد مهندسي اتفاق أوسلو، نبيل عمرو، انه لا يمكن الحديث الآن عن ايجابيات لاتفاقية أوسلو، وذلك بعد الانهيار الكبير لهذه الفكرة.
وقال عمرو "اعتقدنا في حين توقيع الاتفاقية بأنها ستكون مدخلا لمستقبل جديد للشعب الفلسطيني، واعتراف بحقوقه وأن ننتقل من خلالها نحو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، ولاسيما بعد أن وضعت القضايا الجوهرية "الحدود والقدس واللاجئون" على جدول أعمال مفاوضات الوضع الدائم".
وأوضح أنه لم يبق من اتفاقية أوسلو اليوم إلا ما تريده (إسرائيل)، لافتاً الى أنه لا يمكن الحديث عن مزايا للاتفاقية إلا إذا عاد الحديث عن حوار جاد حول الحل الدائم، وهذا ما لا نراه محتملا في الوقت الراهن.