أثار خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة غضب الشارع الفلسطيني والفصائل التي رأت أنه إصرار على نهج التسوية الذي أثبت فشله ودليل على عجز عباس في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية.
وبدورها أكدّت حركة المقاومة الاسلامية "حماس" أن ما ورد في خطاب رئيس المقاطعة يعدّ اعلاناً صريحًا لفشل سياسته، واعترافا واضحا بعجز مسار التسوية عن الوصول لأي حلول عادلة أو تحقيق أي إنجاز للشعب الفلسطيني.
وقالت الحركة في بيان لها إن هذا الخطاب في مجمله مكرور، "يستعرض الحال التي أوصلتنا إليه سياساته ونتجت عن أخطائه في عدم توقع سلوك الأطراف المختلفة رغم تحذيرات كل الفصائل وأحرار شعبنا".
وأوضح أن عباس "كرر المطالب ذاتها من المجتمع الدولي، شاكيًا تجاهل الإدارة الأمريكية وانحيازها، وحكومة الاحتلال وتنكرها لكل الالتزامات التي قطعها على نفسه عبر الاتفاقات التي كبَّلت شعبنا، وتنازل بها عن غالبية أرضنا وحقوقنا الوطنية".
وأضاف البيان: "إن تساؤل عباس عن حدود دولة الاحتلال كان أجدر أن يطرحه قبل تورط فريق أوسلو في رسالة الاعتراف بهذا الكيان".
وذكر أن تجاهل عباس في خطابه لمسيرات العودة وكسر الحصار والتضحيات الكبرى التي يقدمها شعبنا في مواجهة الاحتلال، واستثناء غزة وبطولاتها وأهلها من خطابه هو تجسيد وتكريس لحالة الانقسام، وإعطاء الضوء الأخضر للاحتلال لمزيد من الجرائم والقتل وتسهيل تنفيذ صفقة القرن.
وأوضحت الحركة أن تأكيد عباس في خطابه على استمراره في مسار المفاوضات بعد مئات المؤتمرات والجولات وتكرارها ما هو إلا استنساخ للفشل ومضيعة للوقت، وفرصة ممنوحة للعدو يستغلها لتغيير الواقع السياسي عبر الاستيطان والتهويد، ومحاولة تقويض حق العودة بالانقضاض على الأونروا، وكل ذلك يحدث والتنسيق الأمني مستمر، والمقاومة في الضفة مكبلة، والشعب مقيد في التعبير عن رفضه للتهويد والاستيطان حتى ولو بشكل شعبي وسلمي.
وذكر البيان أن وصف عباس للمقاومة من منبر الأمم المتحدة بأنها ميليشيا وإرهاب، ورفضه لسلاحها هو طعنة نجلاء في خاصرة الشعب وتاريخه ومقاومته وشهدائه، وهدية مجانية للاحتلال، فضلا عن استخدامه هذا المنبر لإعلان الانفصال عن قطاع غزة، وتهديد أهله وسكانه بالمزيد من العقوبات يشكل خطرًا على النسيج الوطني الفلسطيني ومستقبل المصالحة.
وأضافت أن هذا التهديد لا ينسجم مع المساعي المصرية الكريمة لاستعادة اللحمة والوحدة الوطنية، وكان الأجدر بعباس أن يعمل على دعم هذه الجهود والمساعي، ويعلن انتهاء الانقسام والعقوبات على شعبنا.
وحمّلت الحركة عباس وفريقه كل التبعات المترتبة على أي خطوات تستهدف أهلنا في قطاع غزة.
ودعا البيان عباس للتوقف عن مسار أوسلو الفاشل الذي ألحق بالقضية الفلسطينية الضرر البالغ، وإعادة النظر بحالة الإقصاء التي يمارسها، وأن يصغي لصوت الشعب وكل القوى الفلسطينية بالتوجه نحو تطبيق اتفاقات المصالحة، وفي المقدمة منها 2011، واستعادة وحدة شعبنا وترتيب البيت الفلسطيني على قاعدة الشراكة، والتوافق على برنامج سياسي على قاعدة الإجماع الوطني لاستعادة حقوقنا والتمسك بثوابتنا الوطنية، والوقف الفوري للتنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال بالأشكال كافة.
من ناحيتها أكدّت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنّ خطاب لم يحمل جديدا في ظل الانقسام وتمسك عباس بالعقوبات المفروضة على غزة، مشيرة إلى أن عباس لا يزال يراهن على الإدارة الأمريكية والاحتلال رغم أنهما لم يقدما له أدنى شيء.
وقال عضو اللجنة المركزية للجبهة ماهر مزهر في تصريح خاص بـ"الرسالة": "عباس يتجه الى سراب ولن يحصل على شيء".
وخاطب مزهر عباس بالقول: "لا جديد في أوراقك أمام الأمم المتحدة إلا أن تتراجع عن إجراء العقوبات المفروضة على غزة؛ لأن الشعب الفلسطيني يرفض الصفقات المشبوهة في حال لم يؤسس شراكة سياسية ووحدة وطنية".
وأيده عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية عصام أبو دقة، الذي قال إنّ السلطة الفلسطينية ما برحت تتبع نهج التسوية السياسية الذي اثبت فشله على مدار خمسة وعشرين عاماً من المفاوضات ضمن اتفاق أوسلو.
وتوقع أبو دقة في حديثه لـ"الرسالة"، "ضعف ورقة الرئيس وعدم احداث صدى في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لأنه كان من الأجدر قبل ذلك رفع الاجراءات العقابية على غزة وتعزيز صموده، ووضع استراتيجية كفاحية تقوم على توفير الحقوق الفلسطينية، ليكون في خطابه مصداقية عندما يتحدث عن حصار قطاع غزة الذي تمارسه (إسرائيل) وعن الابتزاز السياسي للإدارة الأمريكية من خلال قطع المساعدات واغلاق مكاتب الأونروا".
وفيما يخص خطابات الرئيس وتحركاته السابقة أكد أبو دقة " أن الرئيس لم يغلق الباب أمام المفاوضات مع الاحتلال الاسرائيلي، كما تحدث سابقاً أن من يغلق الباب هو الاحتلال الاسرائيلي، مطالباً بقطع كافة السياسات التي تتصل بالاحتلال.
من جانبها انتقدت الجبهة الديمقراطية مضامين خطاب عباس، والتي توعد خلالها بفرض اجراءات انتقامية جديدة ضد القطاع، ودعا فيه للعودة الى المفاوضات، واصفة الخطاب بمضامينه السياسية بـ"المكررة".
وقال عضو اللجنة المركزية للجبهة في لبنان أركان بدر لـ"الرسالة" إن تهديد عباس للقطاع سيستغل امريكيا واسرائيليا، ويصل الى حد شرعنة العدوان على القطاع القائم اساسًا، لا سيما في ظل تهديد الاحتلال بشنّ حرب طاحنة ضد القطاع.
وأوضح بدر أن عباس لم يتقدم بأي رؤية استراتيجية وذهب لاستدعاء الخطاب القديم، وطرح عناوين ما كان ينبغي له ان يطرحها، "فقضية المصالحة داخلية لا تناقش في اروقة الامم المتحدة، والتهديد بالعقوبات لن يسر سوى الكيان الاسرائيلي".
وأشار إلى أن ما يطرحه عباس بشأن العودة للمفاوضات فاقد للبعد الوطني، لا سيما وانه يصر على المراوحة في موقعه باتفاق اوسلو.
فيما اعتبرت حركة الأحرار الفلسطينية أن الخطاب لم يحمل أي جديد وأنه استمرار للغة الفشل والعجز والاستجداء للحقوق التي لا تستعاد الا بالقوة".
وقال المتحدث باسم الأحرار ياسر خلف في حديثه لـ"الرسالة " إن رئيس السلطة نجح في خطابه بتشخيص الألم الفلسطيني لكنه لم ينجح في علاجه بظل إصراره على معاقبة شعبنا وتهديد قطاع غزة من الأمم المتحدة، مشددا على أنه اختار الفشل والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
وأضاف " محاولة عباس جلب تعاطف العالم جيد لكن كان الأولى به قبل الخطاب ان يستقوي بفئات الشعب بعد توحيده لكنه أصر على ان يذهب منفردا".
واستنكر خلف وصف عباس للمقاومة الفلسطينية بالميلشيات، مردفا " توعد غزة على منبر الأمم المتحدة معيب ولا أخلاقي ومن غير المعقول وصف المقاومة بالإرهاب فمن ينسق ويتعاون مع الاحتلال هو رأس الإرهاب".
وشدد المتحدث باسم الأحرار على أن الخطاب كان أجوفا وخاليا من أي استراتيجية للدفاع عن القضية الفلسطينية.