كلما تحدث الاحتلال الإسرائيلي عن جهوزية قواته للتعامل مع أي أحداث أمنية في جبهات الجنوب والشمال، جاءت ضربة جديدة من حيث لا يحتسب، لتقلب الطاولة على رؤوس القادة العسكريين، فكانت هذه المرة من الضفة في الذكرى الثالثة لاندلاع انتفاضة القدس، بعد أن نفذ شاب فلسطيني عملية نوعية في مجمع "بركان" الاستيطاني قرب مدينة سلفيت.
وحاول الاحتلال الإسرائيلي التقليل من أهمية العملية التي أدت لمقتل مستوطن ومستوطِنة وإصابة أخرى عبر الإعلان عن أن المنفذ كان مفصولا من عمله في ذات المصنع الذي وقعت فيه العملية، إلا أن نائب رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية "دافيدي بن تسيون" أعلن أن منفذ العملية لم يتم طرده، وكان يحمل تصريح عمل من الجيش والشاباك.
كما حاول الاحتلال الإسرائيلي على مدار الأسابيع الماضية طمأنة جمهوره الداخلي، بسيطرته الأمنية على الضفة، وأنه أحبط عشرات العمليات الفدائية، إلا أن عملية "بركان" التي وقعت اليوم تنسف كل الحديث السابق، إذ كانت خير دليل على ديمومة المقاومة في الضفة، برغم كل المحاولات الرامية لإنهائها من جذورها على مدار السنوات الماضية.
وفي تفاصيل العملية، قال سعيد بشارات المختص في الشأن الإسرائيلي في تعقيبه على العملية أن منفذها كان يعمل في مصنع إعادة تدوير، يعرف جيداً مستوطنة "بركان"، ويعرف تفاصيل المكان والمداخل والمخارج، فقد دخل الى ادارة المنطقة الصناعية، صعد الى الطابق الثاني وأطلق النار على عدد من المستوطنين قتل اثنين واصاب ثالثا ومن ثم انسحب من المكان.
وأضاف أنه لم تكن لدى اجهزة امن الاحتلال اي معلومات استخباراتية، فمنطقة بركان تعتبر من الاماكن المحصنة امنياً ورغم ذلك استطاع هذا الشاب الوصول الى المكان الذي عمل فيه قبل اسبوعين وتنفيذ عمليته، مؤكدا أن نجاح العملية سيكون مضاعفا من طول فترة بقاء المنفذ حراً حيث سيكشف ان التقارير التي تتحدث عن جاهزية الجيش هي عبارة عن اوهام وخيال، ورغم تكرار اقتحام المجمعات الاستيطانية الا ان الاحتلال عاجز عن توفير الامن للمحتلين اليهود في الضفة الغربية.
وتأتي عملية "بركان" لتزيد من سواد وجه مسؤولي السلطة الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة لإجهاض أي محاولة لتفعيل المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، من خلال حملات الاعتقال والمداهمة والتفتيش التي لا تنتهي تحت مظلة التنسيق الأمني الذي تعتبره قيادة السلطة "مقدسا" لا يمكن إيقافه مهما اختلف الظروف.
وامتد التنسيق الأمني في البحث عن منفذ العملية الذي تمكن من الانسحاب، وفقا لما قاله مصدر عسكري اسرائيلي لقناة كان 11 بأن أجهزة الأمن الفلسطينية يشاركون في الجهود المبذولة لإلقاء القبض على منفذ العملية، من خلال جهد استخباري حول هذا الملف الحساس.
وفي التعقيب على ذلك، قال حمزة أبو شنب الكاتب والمحلل السياسي إن عملية "بركان" أكدت ان مفاعيل المقاومة في الضفة الغربية حية سواء كانت مقاومة منظمة أو فردية، وأن العمل المستمر على اجتثاث المقاومة في الضفة الغربية المحتلة بالرغم من نجاحه إلا أنه يفشل في القضاء عليها، كما أن العملية بددت روايات الشاباك بإبطال خلية تتعاون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للترويج لنجاحات في الضفة الغربة.
وأضاف أن عملية "بركان" تشكل رافعة لمسيرات العودة في قطاع غزة، وتساهم في العمل على تثوير الضفة الغربية، بعد ما قدمته مسيرات العودة من نموذج نضالي في مواجهة الاحتلال.
وأشار إلى أن العملية تبين أن ملاحقة المقاومة في الضفة الغربية لم تتمكن من الحد من أعمالها، ففي شهر سبتمبر وحده نجحت المقاومة في تنفيذ أربع عمليات إطلاق نار في الضفة الغربية، وثلاث محاولة طعن، بالإضافة إلى عشرات الأفعال المقاومة كإلقاء الزجاجات الحارقة والحجارة والتصدي للمستوطنين، بما يقدر بأربعمائة فعل مقاوم.
وهذا ما اتفق عليه الكاتب والمحلل السياسي عدنان أبو عامر بأن عملية بركان تأتي رغم التحذيرات الإسرائيلية من اندلاع توترات أمنية بالضفة الغربية، وتزامنا مع مزاعمها بكشف خلايا مسلحة وكميات من الأسلحة، وجهود المقاومة لتنفيذ هجمات ضد جنود الاحتلال والمستوطنين في إشارة إلى "اتساع مؤشّر الخوف" لدى الإسرائيليين.
وأوضح أن عملية بركان تشكل ضغطا عالي الحساسية على الأمن (الإسرائيلي)، والتداعيات الناجمة عن نجاح المقاومة باختراق الاحتياطات، و"الضرب في المليان" -وفق قوله-.