إشكالية التحكم والسيطرة مطروحة منذ القدم، لأن الحاجة لها تزيد بزيادة حجم القوات وانتشارها، وعلى هذا الاساس اعتنى القادة العسكريون بجانب السيطرة أكثر من اعتنائهم بشيء آخر بسبب خطورتها وحساسيتها البالغة، إذ تعتبر السيطرة أهم عامل في تماسك القوات التي من المفترض منها القيام بمهام موحدة.
من أهم أركان السيطرة الواجب توافرها، المركزية في إصدار القرارات من خلال قيادة موحدة، وجود قنوات تواصل آمنة متواصلة تسمح بتبادل المعلومات من الأعلى إلى الاسفل والعكس، وجود هيكلية للقوات متناسبة مع طبيعة المهام وهو ما يعبر عنه بالوحدات المتكاملة، هذه هي أهم أركان السيطرة الكاملة، وفقدان عنصر منها أو الإخلال به يؤدي بكل تأكيد إلى فقدان السيطرة، سننظر في كيفية تأثير كل عنصر على قضية السيطرة والتحكم.
عنصر المركزية في إصدار القرار؛ على أهميته يُعد من البديهيات في الأعمال الجماعية، إذ لا يمكن تصور تجميع الكم الهائل من الارادات البشرية المتباينة في عمل جماعي دون ترك عنصر التوجيه، لعنصر واحد لتفادي تصادم الارادات، الميزة الاساسية في هذا الفرد الموجه هي معرفته بطبيعة المهمة ووسائل تنفيذها، هذا هو باختصار معنى المركزية، وهذا المعنى هو ما ينطبق بالضبط على جميع الاعمال الجماعية، ومن ضمنها العمل العسكري، فقد ثبت أن وجود مصدرين للأوامر أسوأ بكثير من وجود مصدر، وإن كان النقص يعتري المركزية الواحدة، فهي أهون بكثير بسبب حفظها على التوازن العام، وأهم شيء هنا هو الاعتناء بجانب النظام العام وعدم ترك فجوات توقع الوهم والمبادرة السيئة، مع توضيح الادوار بدقة لتفادي الخلط والتدخل.
توفير وسائل اتصال قوية وآمنة؛ وغير منقطعة تسمح بتبادل المعلومات، فقضية التصور الصحيح لمسرح العمليات لا تقل أهمية عن عنصر المركزية، إذ تعتبر المعلومات والتقارير المتبادلة بين القيادة ومختلف القطاعات، العصب الحسي في جسد القوات، إذ يؤدي الخلل فيها إلى شلل أحد الاعضاء أو موته إذا لم يتدارك الخلل، حيث يعتبر التجاوب السريع من أهم متطلبات الحرب لان سلامة العشرات من المقاتلين والمقدرات أصبح مرهونا بكبسة زر لا أقل ولا اكثر، عملية التواصل داخل القوات، تعتبر ذات اهمية بالغة لدورها في تحسين تدفق المعلومات من وإلى غرفة العمليات، أهم مطلب في عنصر التواصل هو أن تكون الوسائل غير قابلة للانقطاع او على الاقل يتم توفير بدائل تؤدي دورها، لان الدور الحساس الذي يوفره عنصر التواصل لقضية السيطرة يجعلها المستهدف رقم واحد من طرف العدو لإيقاع الشلل في جسد القوات.
البنية الهيكلية المتناسبة مع طبيعة المهام، تلعب دورا محورياً في مسألة السيطرة، إذ بإمكان البنية الهيكلية أن تساعد في مسألة التحكم والسيطرة، وذلك في حالة تشكيل القوات على شكل وحدات متفرقة بشرط أن تحتوي على مقومات العمل بالصورة التي تمنحها الاستقلالية التامة، فاهم معلم لهذه الوحدات هو الاختصاص والحرفية العالية، وتعد الطريقة المثلى لمواجهة الجيوش المنظمة، من خلال حرب العصابات إذ يعتبر موضوع السيطرة من أخطر التحديات في هذا النوع من الحروب، ولا يمكن لأي جماعة مقاتلة أن تنتهج هذا النوع من الحروب دون الاحاطة الكاملة بموضوع السيطرة
