تسير الأوضاع في قطاع غزة بوتيرة متسارعة نحو تغييرات مهمة سيكون لها ما بعدها تحديداً فيما يتعلق بالشأن الداخلي الفلسطيني، ففي الوقت الذي بدأت الحالة النضالية في غزة المتمثلة بمسيرات العودة وكسر الحصار تحقق جزء من أهدافها، ما زالت المصالحة بعيدة المنال على الأقل في المنظور القريب وذلك نتيجة سياسة السلطة الفلسطينية ومن خلفها سلوك حركة فتح التي طرحت شروط تعجيزية للمصالحة.
تصريحات عزام الأحمد عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح، التي قال فيها "جرى نقاش مباشرة مع قطر وقلنا لهم، خطأ أن تدفعوا مساعدات تسمى انسانية عبر (إسرائيل) لحماس؛ لأن هذا سيعمق الانقسام ويعطي مبررا لإسرائيل ان تبقى تتجاهل قرارات الشرعية الدولية".
واستدرك: "للأسف استمعوا، وبعد ذلك الحديث بحوالي 10 أيام، بدأ ضخ المال دون العودة لنا".
غضب السلطة من التغييرات في غزة يظهر جلياً في تصريحات الأحمد وآخرين من السلطة لكن ما لم تترجمه الكلمات هو حالة الخوف الكبير والإحباط الذي برز على ملامح الأحمد في اللقاء المتلفز.
ويبدو ان السلطة بدأت تشعر أنها حشرت في الزاوية مع بدء تطبيق التفاهمات برعاية مصرية وأممية.
حالة الغضب الكبير تجاوزت السلطة وامتدت لحركة فتح خاصة بين قواعدها في غزة والذين وان كان البعض منهم يبرر العقوبات بأنها تهدف لإعادة السلطة لغزة وحشر حماس الا انه وبعد التغييرات الأخيرة بات واضحاً أن حماس استطاعت تجاوز الازمة وبالتالي ينتظر عناصر وكوادر فتح من السلطة وقف هذه العقوبات والخصومات التي أضرت بحركة فتح بالدرجة الأولى.
وبعد فشل كل المحاولات المصرية والاممية لدفع السلطة التراجع عن عقوباتها، يبدو الخاسر الوحيد من هذه الإجراءات هي السلطة نفسها، كما ان العناد الكبير الذي أبداه أبو مازن اتجاه غزة وملف المصالحة أفاد حماس من حيث لا يدري.
فمن ناحية شكلت العقوبات حالة غضب كبيرة حتى في أوساط فتح نفسها على السلطة ومن ناحية أخرى أجبرت جميع الأطراف التي كانت ترغب في وجود السلطة على تجاوزها.
وبعدما كانت مسألة تجاوز دور السلطة مسألة وعود يشكك البعض في مصداقيتها، بدأت فعلياً أولى الخطوات التي ترجمتها عملية ضخ الوقود القطري ومن ثم أموال المنحة للرواتب.
وتحت ضغط المتغيرات الحالية قد تجد السلطة نفسها أمام خيارين أحلاهما مر بالنسبة لها، الأول ان تبقى على عنادها وتصر على استمرار العقوبات على غزة وهو سيناريو يحمل الكثير من المخاطر عليها منها تصاعد حالة الغضب والسخط في أوساط تنظيم فتح في غزة والضفة، لكن الأهم أنها ستفقد السلطة أوراق قوتها وقدرتها على الضغط على غزة وحركة حماس كما أنها ستجبر جميع الأطراف بما فيها مصر والأمم المتحدة على المضي قدماً في تجاوزها وتهميش دورها في غزة.
وباتت السلطة عالقة على الشجرة فمن ناحية هي لا ترغب بالتراجع عن العقوبات وتظهر وكأنها رضخت لحركة حماس، وفي حال أقدمت على أي عقوبات جديدة سيتم سحب المقاصة وتحويلها لغزة وهي خطوة سياسية لها دلالات هامة على مستقبل السلطة.
السيناريو الثاني يتمثل في تراجع السلطة عن العقوبات والعودة الي ملف المصالحة حسب الاتفاقات السابقة بما يسمح بعودة السلطة الي قطاع غزة وتوليه المسؤولية عنها ولكن حتى في هذا السيناريو ستظهر السلطة وكأنها خضعت لحماس، كما ان الأخيرة لن تقبل اليوم بما كانت تقبل به قبل عدة شهور بفعل التغييرات الجديدة.