غزة- محمد أبو قمر
مع استمرار اقتراض سلطة رام الله لأموال طائلة من جهات محلية ودولية دون حسيب أو رقيب وبعيدا عن القانون الذي يلزمها بضرورة موافقة المجلس التشريعي على اقتراضها ، وفي ظل غياب أية موازنة للسلطة منذ العام 2005 ، تداعى المجلس التشريعي الخميس الماضي لعقد جلسة خاصة لإقرار مشروع الموازنة الاستثنائية للسلطة للعام 2009 .
"الرسالة" اطلعت على تفاصيل الجلسة والتوصيات التي خرجت بها لضبط المال العام ووقف المخالفات الدستورية .
ضبط المال العام
ويقول الدكتور أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أنه منذ العام 2005 لم يقر المجلس أية موازنة للسلطة ، وذلك بسبب القرار الذي اتخذه الاحتلال والدول المانحة بهدف حصار الشعب والسلطة لاسيما بعد فوز حماس .
وبناء على ذلك اجتمع المجلس وأصدر قانون معدل لقانون تنظيم الموازنة والشئون المالية رقم 7 لسنة 1998 والذي بموجبه كان الإنفاق والإيرادات وفق الموازنة الاثنا عشرية 1/12 ، بالاستناد للمادتين 60-61 للقانون الأساسي .
وقد تضمن المشروع مجموعة أحكام مهمة منها الاستمرار بالعمل بالموازنة 1/12 وفقا للقانون وذلك حتى نهاية السنة المالية 2009.
وفي التفاصيل التي كشفها الدكتور نافذ المدهون مدير عام لجنة الموازنة فان الموازنة الاثنا عشرية تعني أنه في إطار الإنفاق لابد أن يكون هناك سقف مالي للمصروفات الشهرية وهو ما يعرف ب1/12 ، أي أن السنة تقسم إلى اثني عشر شهرا ، ويوضع سقف للمصروفات الشهرية يجب ألا تتجاوزه الحكومة .
وضرب المدهون مثلا " لو فرضنا أن الإنفاق في السنة يقدر باثني عشر مليون دولار ، فان السقف الشهري للمصروفات يجب ألا يتجاوز المليون دولار ، لكن من الممكن أن يكون أقل من ذلك " .
وشملت الأحكام التي اتخذها التشريعي بحسب ما يقول الدكتور بحر " إقرار إيرادات السلطة وفق البيانات المالية المتاحة للحكومة في غزة ، وتخصيص مبلغ مليار و 700 مليون دولار لتعويض متضرري الحرب على غزة وذلك وفق الإمكانات المالية للسلطة آخذين بالاعتبار ضرورة توفيرها من اجل ضمان العيش الكريم للشعب ودعم القطاع الخاص.
ولم يغفل المجلس تخصيص مبلغ مليار دولار من أجل إعادة اعمار قطاع غزة بعد العدوان الأخير .
وشدد بحر على أنه تم الإقرار بعدم السماح للسلطة الوطنية بالاقتراض من أي جهة إلا بموافقة المجلس التشريعي ، وحملوا الجهات الفلسطينية اللاشرعية في رام الله التي تقترض من جهات محلية ودولية المسئولية الكاملة عن الديون وذلك حتى لا تتحمل الأجيال القادمة تصرفات أشخاص لا يملكون الشرعية .
وضمت الأحكام تحميل جهات فلسطينية وعربية ودولية التي تقرض تلك الجهات المسئولية عن تصرفاتها ، مؤكدة عدم الاعتراف بتلك الأموال كدين عام على السلطة لان كل ذلك سيمتص من دماء الشعب الفلسطيني .
وأقر المجلس التشريعي الاعتمادات المالية لكافة التعيينات التي تمت خلال السنوات المالية 2007-2008-2009 .
وألزم السلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة بتقديم جداول شاملة حول الإيرادات والإنفاق ، والإسراع بإعداد موازنة للعام القادم ، وذلك لأجل ضمان نزاهة وشفافية للمال الفلسطيني ومراقبة المال العام.
** خطة إنفاق
وتعد الموازنة التي ناقشها المجلس التشريعي في جلسته الأخيرة بمثابة خطة إنفاق لقطاع غزة فقط وليس لها علاقة بالضفة المحتلة وذلك نتيجة الظروف السياسية التي تشهدها الساحة الفلسطينية حسبما يقول النائب جمال نصار رئيس لجنة الموازنة والشئون المالية ، وتأتي
لمراقبة أداء الحكومة ولتنفيذ الخطط الاقتصادية والاجتماعية من خلالها .
ويتابع نصار: عندما لا نقدم موازنة شاملة لا بد من غطاء قانوني لعمل الحكومة التي لا يجوز لها أن تحصل الضرائب والرسوم إلا بقانون ، وبناء على ذلك يتم اعتماد 1/12 من آخر موازنة معتمدة " ، موضحا أن آخر موازنة في عهد السلطة كانت في العام 2005 .
وبالمقارنة مع موازنة 2005 ، أخذ التشريعي بعين الاعتبار التطور الطبيعي واستثناء الضفة من تلك القيمة لأنه لا تنطبق عليها الموازنة بحكم وجود حكومة فياض ، وأجمع على وضع قيمة شهرية للمصروفات تقدر بـ 428 مليون دولار لقطاع غزة .
ويبقى الإنفاق في تلك الخطة حتى آخر يوم في العام الحالي ، أما في بداية العام القادم فيحتاج لموازنة جديدة.
وتعتبر الجلسة التي عقدها التشريعي "استثنائية" وذلك لأنه في علم الموازنة كما يقول المدهون "يجب أن تكون الموازنة عادية دون أي ظرف استثنائي لكن رغم الحرب وحجم الخسائر الناتجة عنها سواء على القطاع الخاص والعام ، استلزم إصدار موازنة استثنائية تستلزم إصدار موازنة عامة ، لذلك أخذنا بالاعتبار قيمة تعويض القطاع الخاص للنهوض به وإعادة اعمار البنية التحتية ومؤسسات السلطة" .
ويرى المدهون أنه في حال لم تخصص أموال للاعمار فسيكون من الصعب التخطيط لإعادة الاعمار ، وتنمية الاقتصاد .
وبناء على ذلك فان الحكومة بغزة ملزمة لتقديم خطط وبرامج واضحة للنهوض بالاقتصاد والاعمار .
اقتراض السلطة
وأخذ المجلس التشريعي بعين الاعتبار استحالة العمل دون إقرار الموازنة العامة للسلطة ، وذلك في إطار وقف العمل المخالف للدستور الذي تقوم به حكومة رام الله ، من إنفاق واقتراض دون أي أساس قانوني .
ويؤكد المدهون على أن المال العام هو مسئولية الدولة وبالتالي لا تستطيع أية جهة الاقتراض من أية جهة مالية سواء بنك أو مؤسسة دولية أو محلية دون موافقة المجلس التشريعي وهذا ما نص عليه القانون الأساسي الفلسطيني ، ولذلك لا تعتبر هذه الأموال ديونا عامة يتحملها الشعب الفلسطيني بأجياله وإنما هي مسئولية مجموعة أشخاص تدعي الشرعية للحصول على تلك الأموال ، تنفقها دون رقابة .
وعن البيانات المتوفرة عن الأموال التي تقترضها حكومة فياض ، قال " كافة الجهات التي تقدم أموالا للسلطة تحتفظ بالبيانات لديها ، وعند عودة أجواء المصالحة ستتقدم تلك الجهات بالبيانات ، ولا توجد الآن بيانات إلا ما تسرب من وسائل الإعلام ، لكن المدهون شدد على أن تلك الديون لم تقر من المجلس التشريعي حسبما يشترط القانون الأساسي .
وأوضح أن الأموال ستكون مطالبة من الأجيال في حال ما لم يصدر قانون ، لكن بعد القانون سيطالب بها الأشخاص الذين اقترضوها ، ووصف تلك الأفعال بالجرائم التي لا تسقط بالتقادم ويجب أن يحاسب كل من تصرف بالمال العام دون وجه حق .
تعويض المتضررين
وفيما يتعلق بالبنود الخاصة بتعويض القطاع الخاص ومتضرري الحرب بمليار و 700 مليون دولار إلى جانب مليار دولار لإعادة الاعمار التي أفضى إليها القرار فان تلك الأموال كما يشير رئيس لجنة الموازنة خارج الموازنة ومطلوبة من الدول المانحة ، ويتم تسديدها حسب إمكانيات السلطة.
فيما يرى المدهون أن التعويضات مسئولية دولية والمجتمع الدولي الذي صمت أمام الحرب وأيدها يقع على عاتقه تعويض المتضررين وما على الحكومة إلا تنظيم صرف تلك الاموال ، لكن مؤقتا ستصرف الحكومة مبالغ لإغاثة المواطنين .
ويأتي إقرار مبالغ التعويض في إطار دعوة المجتمع الدولي لدعم المتضررين .
ويقول المدهون " وضعنا الأرقام الخاصة بالتعويضات لحفظ حقوق المتضررين ، والحكومة مطالبة بوضع خطة لإعادة الاعمار ومن ثم اطلاع المجلس التشريعي عليها ، وعلى الحكومة أن تبحث عن مصدر تمويل " .
ولم يحدد المجلس التشريعي جدولا زمنيا لتعويض المتضررين نظرا للظروف السياسية
والاقتصادية وحالة الحصار التي لم تمكنها من توفير الأموال حاليا .
ظروف صعبة
وتمكن المجلس التشريعي من إقرار الموازنة في ظروف صعبة تتمثل في نقص البيانات المالية الفعلية من العام 2008 وذلك نتيجة قصف الاحتلال لمقر وزارة المالية والمجلس التشريعي والعديد من الوزارات والمقرات الحكومية، وغياب البيانات المالية الخاصة بمؤسسات السلطة في الضفة المحتلة ، إلى جانب حالة الحصار الجائر المفروض على غزة وانعكاساته على مختلف القطاعات الاقتصادية وإيرادات السلطة .
وشكلت الزيادة الكبيرة في مخصصات الاعانات الاجتماعية بعد الحرب على غزة وما نجم عن ذلك من هدم للبيوت والمؤسسات الاقتصادية ، عبئا جديدا على الموازنة ، وزاد من الحاجة لتوفير المبالغ المالية وذلك للبدء في تنفيذ خطة اعادة اعمار غزة وصرف التعويضات لمتضرري الحرب .
وفي هذا الإطار تواجه الحكومة مصاعب بسبب امتناع المصارف العاملة في فلسطين عن التعامل معها بسبب القيود الخارجية التي فرضت عليها .
وكان لا بد من إقرار الموازنة نظرا استمرار بعض الجهات الفلسطينية اللاشرعية بالاقتراض من مصارف ومؤسسات دولية لصالح السلطة دون إقرار ذلك من المجلس التشريعي وهذا ما يعد مخالفة دستورية يعاقب عليها القانون .
وحافظ ذلك القرار على نزاهة وشفافية النظام المالي الفلسطيني وتفعيل الوسائل الرقابية على المال العام ، ولضمان قيام السلطة التنفيذية بوضع خطة تنموية شاملة وذلك لإعادة اعمار غزة وبناء بنية تحتية اقتصادية جديدة تنهض بالاقتصاد الفلسطيني .