هكذا أصبح المشهد الفلسطيني اليوم بين "ارحل" و"فوضناك"، بعدما كنا نناضل من أجل رحيل الاحتلال ونطالب برفع حصاره عنا.
بعدما خضنا معارك طويلة في حلبة المجتمع الدولي لنزع الشرعية عن "الكيان"، ونضالات إعلامية وسياسية ودبلوماسية لتقديم قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية جراء جرائمه، ضد الفلسطيني في ماضيه وحاضره.
أصبحنا اليوم -إجباريا- أمام عنوان آخر للنضال من أجل الحرية والكرامة، مواجهة يتبناها قسم كبير من الشارع الفلسطيني الذي بات يطالب برحيل الاحتلال والرئيس الذي فرض نفسه بشرعية الأمر الواقع، وأمر مجتمع دولي يحرص أن يكون الاحتلال الاسرائيلي الأقل تكلفة في تاريخ الثورات.
في المقابل يصر فريق آخر من الشعب الفلسطيني على استمرار تفويض الرئيس، مصمم على خياره مهما كانت نتائجه، حتى وإن رحل الرئيس وطنيا منذ زمن، فلم يعد حاضرا في المشهد المقاوم أو المشروع السياسي سوى في إطار برنامجه الخاص، وعقله المتفرد، وجماعته المقربة، وعائلته الضيقة، وعليه يصدر فرماناته ومراسيمه، بعيدا عن نبض الشارع، يتجاوز المجموع الوطني، ويتجاهل المقهورين، ولا يلبي طموح حتى الأعوان والمريدين.
رحل أبو مازن منذ قرر خوض معارك داخلية ثأرية ضد خصومه من الفلسطينيين، وضد الإرث التنظيمي لأبو عمار، وقرر الاصطفاف مع نفسه فقط، وتحالف مع الـ"أنا"، فلم يعد يرى سوى صورته، وقاده عناده للانتصار على "لا" وعلى كل من يقولها في وجهه.
هكذا كبرت في رأس الرئيس، حتى اقتنع برحيل كل من يعارضه من الشعب والفصائل، فاذا رفضوا الرحيل قام بترحيلهم عنوة من دائرة اهتمامه وسلطته ومسئوليته، بل طردهم من وطنيتهم مهما كانت مواقعهم، سواء مناضلون أو أسرى أو حتى شهداء.
لقد استعجل أبو مازن الرحيل قبل أن يطالبوه به، وترك للشعب إرثا من المناكفة والتنكيل والعقاب.
إذا خرجت جماهير في غزة لتقول لعباس ارحل، فإنه أصلا راحل من عقل ووجدان ورمزية الفلسطيني، لهذا يمكن انتهاز الفرصة وإهداء الرئيس أغنية كاظم الساهر:
استعجلت الرحيل
ورحلت في غير أوانك
هنا خطوط ايديك.. صمتك
صدى صوتك.. عنفوانك
وربنا يستر من عمايلك..