بدأت مسيرتي مع "رسالتنا" الغراء، منذ أن بدأ التفكير بإصدارها قبل ما يقرب من اثنين وعشرين عاماً، يومها تجمع نخبة من أهل الاختصاص والخبرة، وقبل ذلك وبعده، ممن حرقتهم سياسة الكبت الإعلامي والملاحقة الصحفية التي اتسمت بها سنوات التسعينات من القرن الماضي.
اجتمعنا عدة لقاءات متواصلة، إلى أن صدرت الأعداد التجريبية الأولى، التي خضعت للحذف والإضافة، والتبديل والتغيير، إلى أن استوت على عودها وصدر العدد الأول للجمهور.
أذكر ذلك اليوم وقد غمرتنا فعلاً فرحة لا توصف، وسعادة لا تضاهى، ونحن نرى ذلك الجنين الصحفي الذي كان مجرد حلم راود جملة من المهتمين، يخرج إلى النور.
اعتبرت الرسالة من يومها الأول منبراً صادقاً لمن افتقدوا باقي المنابر الصحفية، وسدت في وجوههم الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية على كثرتها آنذاك، وشكلت نافذة سياسية وتعبيرية صادقة لكل هؤلاء.
اتفقت حينها مع الصديق العزيز د. غازي حمد الذي شغل رئيس تحريرها عدة سنوات، على إعداد التحقيقات الصحفية المطولة، التي ناقشت قضايا وموضوعات ما كان لها أن ترى النور إلا على صفحات "الرسالة".
وربما كان ذلك من أهم المجالات التي حققت لـ"الرسالة" صيتها وشعبيتها وقبولها بين القراء الفلسطينيين، بالرغم مما سببه ذلك من "مناوشات ومناكفات" خاضتها إدارة الرسالة مع المسئولين السياسيين والأمنيين آنذاك، لكن كان لا بد منها، وإلا فقدت "الرسالة" بريقها ونكهتها، وهكذا يجب أن تكون دائماً.
مجال آخر برعت فيه "الرسالة" بصدق آنذاك، أنها في وقت لم تكن قد انتشرت الفضائيات بكثرة، والمواقع الإخبارية، والصحف العالمية، منحت القارئ المحلي فرصة الإطلال على آراء مغايرة، ومواقف سياسية متباينة، مما جعلها تشكل "واجهة" ثقافية وإعلامية تفسح المجال لذلك "الرأي الآخر" الذي حرم من الإطلالة الدورية على باقي صحفنا المحلية.
وهنا لابد من الإقرار أن "الرسالة" طوال سنوات عملنا فيها فتحت المجال أمام أقلام واعدة، وكفاءات صاعدة، باتت اليوم أعلاماً في الكتابة، وقبلة يتجه إليها القراء الباحثون عن معرفة التوجهات السياسية، واستكشاف القادم من تطورات الأيام.
وبالتالي فلم يكن قرار انتقالي من العمل في "الرسالة" إلى مجال آخر، سهلاً وهيناً، بل صعباً ومكلفاً، لاسيما وأنني انقطعت عن الكتابة عدة سنوات، بفعل شروط العمل الجديد –ويا عجبي-، لكني ما لبثت أن عدت، فور معاودتي للكتابة والبحث.
إن كان لي من كلمة حق، ونصيحة صدق، فهي أن "الرسالة" التي عملت فيها منذ الأعداد التجريبية، لم تجد ذلك الصدى والقبول والرواج، إلا لأنها شكلت بالفعل محط أنظار القارئ، واعتبرت بصدق "ضالته" المنشودة، في وقت أغلقت عليه منابر أخرى، ربطتها بصناع القرار آنذاك مصالح مشتركة، وجاء ذلك على حساب المهنية والمصداقية والنزاهة، وخيانة رسالة "مهنة المتاعب" بالدرجة الأولى.
أخيراً.. بدأنا مع الرسالة منذ سطورها الأولى، ولم تكن قد تجاوزت مرحلة "الجنينية"، فيما اليوم نواصل معها، ونأمل لها كل تقدم وازدهار بمرحلتها الجديدة وانتقالها للإعلام الرقمي، وذلك بفضل سواعد العاملين والعاملات فيها، لتبقى بالفعل منارة صحفية وإعلامية تعبر عن آمال القارئ، وتنقل آلامه، وتقرأ تطلعاته، هكذا هي الرسالة، وهكذا نريدها أن تكون على الدوام.