شاعر فلسطين في المهجر إياد حياتلة:

في مضافة جدِّي بدأت قصَّتي مع الأدب والشعر

دمشق – غلاسكو- بيت فلسطين للشعر

في عام 2001 عرفني أحد الأصدقاء في مخيم اليرموك بدمشق على مدرس وشاعر اسمه عاطف حياتلة ، وبعدها بأعوام قليلة تعرفت إلى ولده الشاعر إياد حياتلة عبر شبكة الانترنت ، وتوطدت الصداقة الأدبية بين شاعرين فلسطينيين.

في صيف 2009م كان موعدنا للقاء به في زيارته إلى دمشق ، حين جمعنا منزل الصديق والكاتب الفلسطيني خليل الصمادي ، وفي تلك الأصبوحة الجميلة أجرينا أول حوارين لموقع بيت فلسطين للشعر - الذي كان لا يزال تحت الإنشاء- مع شاعرين فلسطينيين الأول من سكان لبنان وهو الشاعر ياسر علي ، والثاني هو ضيفنا اليوم الذي تأخرنا على القراء في تقديم هذا الحوار الشيق لهم .

بعد أن سافر الشاعر إياد الحياتلة وجدت أن ضيفنا في جعبته الكثير مما يستطيع أن يقوله للقراء ، فلاحقته أسئلتنا حتى مكان إقامته في مدينة روجرز في اسكتلندا ..

مقدمة لا بد منها ، مع شاعر كتب قصائد الحنين إلى المخيم مثلما كتب والده قصائد الشوق إلى فلسطين ، فجمع في تجربته الوجدانية الشعرية شكلا جديدا في مضمون الحنين في قصائد الشعر الفلسطيني ( س.ع ) .

إياد حياتلة الإنسان ...كيف تُعرِّفه إلى القراء ؟

وُلدت عام 1960 في مخيّم العائدين في مدينة حمص شمال العاصمة السورية " دمشق " ، لأسرة تشرّدت من قرية الشجرة قضاء طبريا في فلسطين ، وانتقلت مع عائلتي إلى مخيّم اليرموك بدمشق عام 1966 ، حيث عشت هناك حتّى العام 2000 ، وبعدها هاجرت مع زوجتي وأولادي إلى إسكوتلندا مؤقتا بانتظار العودة إلى فلسطين .

حدثنا عن بداية قصتك مع الشعر والأدب ؟

بدأت قصّتي مع الأدب والشعر مبّكرا ، حيث فتحت عيوني على أبٍ شاعر ( المرحوم عاطف كامل حياتله ، أبو أيمن ) وجدٍّ شاعرٍ وراوية للشعر أيضا ( المرحوم كامل هويّن حياتله ، أبو هويّن ) ممّا أتاح لي فرصة الإستماع إلى الأشعار والزجليّات في مضافة جدّي ، التي كانت أشبه بالصالون الأدبي حيث كان يجتمع فيه الشّعار والزجّالون والمهتمون من أهالي المخيّم ، لتبادل مواويل الوطن ، واستذكار لياليه الفائتات ، واستشراف صباحاته القادمات

هناك أنصتُ بقلبي قبل آذاني لأبي سعيد الحطّيني ، والحاج فرحان سلاّم ، ويوسف الحسّون ، وشاعر العتابا السّوري أبو محمّد الحسواني ، والشاعر والمغنّي الشجراوي أبو عرب .

متى بدأت كتابة الشعر ؟

بدأت كتابة الشعر الفصيح منذ زمن ، ونشرت بعضه في المجلاّت في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي ( مجلّة الهدف ـ الكاتب الفلسطيني ـ الوحدة ) وشاركت في أمسيات شعريّة كثيرة حينها في دمشق ملتقى أبو سلمى للشعراء الشباب الذي تم تنظيمه من قبل الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد عام 1988 ، وغيره من أمسيات شعرية في صنعاء أثناء عملي هناك ، و في 1992-1993 في في دمشق .

أمّا عن الشعر الشعبي والزجل ، فقد كنت أدندن به وبدأت تدوينه فقط قبل سنتين ، ومن خلال شبكة فلسطين للحوار أولاّ على الإنترنت ، وبعض المنتديات الأخرى ، وكتبت في معظم أنواعه ، من العتابا ،إلى المعنَّى ، إلى زريف الطول والدلعونا ، والقصيد ، وصولا إلى الجفرا .

هل اقتصرت في تجربتك الشعرية على القصيدة العمودية الفصيحة ؟

كلا ، فأنا أكتب القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة والقصيدة الزجلية ولي بعض الأناشيد المغنّاة ، وأنشر أشعاري في العديد من المواقع الإلكترونية المعروفة مثل شبكة فلسطين للحوار ومنتديات مجلّة أقلام ومنتديات رابطة الواحة الثقافية ومنتديات تجمّع شعراء بلا حدود .

في أي المضامين يكتب إياد الحياتلة ؟

يسيطر الهم الفلسطيني بشكل كثيف على أجواء قصائدي ، وكذلك هموم الغربة وحق العودة وقضية اللاجئين .

حدثنا عن تجربتك في أوروبا .

أمّا عن نشاطي في بريطانيا ، فأنا عضو في القلم الأسكوتلندي (Scottish PEN)

وأيضا في رابطة ( فنّانون في المنفى - غلاسكو Artists in Exile Glasgo ) وأشارك هنا بكثافة في الأمسيات الشعرية والأدبية وألقي أشعاري باللغتين العربية والإنكليزية، وأشارك في ورشات عمل لترجمة القصائد من العربية إلى الإنكليزية وبالعكس مع شعراء أسكوتلنديين وإنكليز، وقمت بمشاريع ورشات عمل شعرية بتكليف من مكتبة الشعر الأسكوتلندي في أدنبرة ومنظمة أوكسفام ، وأحييت أمسيات شعرية عديدة في غلاسكو وأدنبرة وإنفرنس وأبردين وبلفاست بما فيها مشاركات في مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب

وقد خصّصت مجلّة ديمون الصادرة في غلاسكو عددها الأخير لنشر خمس قصائد لي باللغة الإنكليزيّة تحت عنوان:

Beyond all measure أو " لا حدود لغربتي " .

هل يوجد نتاجات أدبية عند الفلسطينيين المقيمين في أوروبا؟ وإذا كانت هناك ثمة نتاجات فلماذا لا تصلنا ولا نسمع بشعراء فلسطينيين في المهجر ؟

أعتقد انه يوجد نتاجات أدبية في أوروبة ، وإذا كان الجمهور هنا لا يسمع بشعر فلسطيني في المهجر فهذا لا يعني أنه غير موجود , ولكن هناك تقصير ومن أي جهة هنا السؤال الذي يطرح نفسه .

بالنسبة لتجربتي كفلسطيني في اسكتلندا أنا أكتب الشعر الفصيح والعامي . ولي صديق أيضا هناك يكتب الشعر والمسرحية ولا أعتقد انه معروف هنا .

هذه الأسماء معروفة في المهجر أم أنها مغمورة هناك أيضا ؟

الشيء الطريف أنني معروف في اسكتلندا وبين الإنكليز أكثر مما أنا معروف بين العرب هناك ، حتى أولئك الذين يقيمون في نفس المدينة التي أقيم فيها .

النشاطات التي أشارك فيها 99% منها تُنظم من قبل اتحاد الكتاب الاسكتلندي . وقد أسسنا في مدينة غلاسكو مجموعة اسمها ( ARTISTS IN EXCAIL ) وتعني باللغة العربية ( فنانون في المنفى ) تحوي في صفوفها شعراء وكتاب ورسامين من دول مختلفة من فلسطين و ألبانيا وبعض الدول الأفريقية ومن كندا وأمريكا وإيطاليا, وكل النشاطات التي نقوم فيها يتم تنظيمها عبر مؤسسات أجنبية ونادرا ما يهتم العرب بهذه الفعاليات .

وبرأيي أن التقصير يعود للأديب لأنه لا يقوم بتقديم نفسه على الجمهور العربي سواء كان في مدينته أو بالدول العربية .

وكيف تعتقد أنه يمكن للأديب العربي هناك أن يقدم نفسه ؟

مثلا ، بإمكانك أن تتجاوز هذه المسألة بتقديم نفسك من خلال التسجيل في منتديات أدبية على شبكة الانترنت ، حيث المنتديات الحوارية , أو عمل مدونات ، وستجد كيف يتصادف مرور أحد القراء من الدول العربيةب نتاجك . أما بالنسبة لي فقد تعرفت على كثير من الشعراء والأدباء في الدول الأوروبية عبر الإنترنت.

أما إذا عدنا إلى التقصير وأنواعه فهناك عدد من الشعراء الذين يرفضون التعرف إلى بعضهم البعض وتوسعة مساحة التعارف بسبب عقدة ما .مع أن المجتمعات هناك أكثر انفتاحا ، إن عقدة الخوف لم تزل باقية وحاضرة في ثقافتنا كأدباء في المهجر ، والخجل كذلك يرغم البعض على عدم تقديم أنفسهم . ولكن المفروض أن يكون الأدباء الفلسطينيون حاضرين في تجمعات الجالية الفلسطينية من خلال المشاركة في المناسبات المختلفة .

في السنة الماضية مثلا نويت أن أعمل شيئاً جديداً وكتبت قصيدة عن العيد في الغربة وفي أحد الأعياد تجمعنا كجاليات عربية وكنا نتوقع حضور خمسين عائلة إلا أن من أتى لا يتجاوز عشر عائلات !!

الفلسطينيون في المهجر لهم عتب علينا في أننا غائبون عنهم . فلا نمدهم بكتبنا ولا نمدهم بما يؤكد على هويتهم الفلسطينية هناك ؟ ما رأيك بهذا العتب ؟

دعني أتكلم بصراحة . لا أعتقد أن هناك تقصير من أحد . لأن الذي يريد أي شيء يجب أن يبحث عنه هو لا أن ينتظر من يبعثه أو يجده له أحد . وبرأيي أن الفروع يجب أن تبحث عن الأصول . الجاليات يجب أن تطرح ما تريد ولا تنتظر الآخرين ، وأضرب مثلا على ذلك في لندن يُعتبر مركز العودة من أهم المراكز الفلسطينية في بريطانية

ويمكن لأي فلسطيني أن يتصل بهذا المركز ويطلب ما يريد وسيوفرها له المركز حتى لو لم يكن موجوداً في بريطانيا.

قبل سنوات احتجت إلى عدد من النسخ لخرائط فلسطين ، ولم يكلفني الأمر أكثر من اتصال بالهاتف ودون مقابل إلا إذا أردت أن تتبرع حتى يستمروا بعملهم على أفضل وجه . وأتيت بهذا المثال لأؤكد على أنه يجب على الجاليات أن تتصل وتطلب لا أن تنتظر من يرسل لها ما تريد.

هل يخاطب الأدب الفلسطيني في المهجر من شعر ورواية ومسرح الأوربيين بلغاتهم ؟ وإلى أي درجة يتفاعل معكم الأوروبيين ؟

أريد أن أتكلم عن تجربتي ، أنا موجود في بريطانيا منذ أكثر من عقد من الزمن وحتى الآن لا أزال أكتب الشعر باللغة العربية . ولكن منذ 6 سنوات انتسبت إلى إتحاد الكتاب الاسكتلندي وبدأت بترجمة بعض قصائدي إلى الانكليزية, وعندما أُدعى إلى أمسية شعرية ألقي أول قصيدة باللغة العربية على الرغم من أن أكثر الموجودين لا يفهمون ما أقول وبعد أن انتهي أقرأ ترجمتها , يوجد بعض الشعراء وصلوا لمرحلة إلقاء الشعر باللغة الأجنبية .

في بريطانية يوجد شاعرة فلسطينية متقدمة في السن اسمها غادة الكرمي تكتب رواياتها وقصصها باللغة الانكليزية . والسبب في ذلك أنها متمكنة من اللغة الانكليزية بطابعها الأدبي.

من ناحية أخرى أرى أن الترجمة من العربية إلى الانكليزية لا تؤدي غرضها بالكامل يعني الترجمة الحرفية تفقد العربية جماليتها , أترجم جملة بمعناها الحرفي فأجد أنني لم أقصد ما ترجم . ومن جانب آخر أعتقد أن اللغات الأوروبية ضيقة ومتقوقعة ومن الممكن جدا أن لا تجد كلمة عربية لها مرادف بلغة أجنبية.

في إحدى القصائد على ما أذكر كتبت جملة تقول إن الأمهات يدفئن بالهدب أيامنا الباردات فاستبدلت المترجمة كلمة هدب بالشعر وأنا لم أقصد الشعر لأن الهدب لا يعني عند الإنكليز ما يعنيه عند العرب فرفضت الترجمة.

هل يوجد تواصل بين الأدباء والمبدعين العرب في أوروبا. وبالأخص الفلسطينيين ؟

أعتقد أن هذا التواصل معظمه يأتي بمبادرات فردية . إلا أن مؤتمر فلسطينيي أوروبا أصبح يسهل هذا التواصل ويدعمه بالرغم من أنني لم أحضر في أي مؤتمر عقد في أوروبا, وهذا المؤتمر حسبما أرى عرَّف الجاليات الفلسطينية على بعضها وشدد من أواصر التواصل . بالإضافة إلى ذلك تعتبر قناة الحوار التي تبث من لندن من القنوات التي تهتم بالجانب الأدبي وتستضيف في برامجها عددا من الأدباء والشعراء الفلسطينيين في المهجر مما يهيئ أجواء التعارف والتواصل . ولكن في النهاية تبقى المبادرات الفردية هي صاحبة الفضل في التواصل بين الأدباء . أنت تعرف أن السفر في أوروبا سهل ومن الممكن أن تتعرف على صديق في بلد أوروبي وتذهب إليه بكل سهولة مما يعزز فرص التواصل .

بالإضافة إلى ذلك يبقى تنظيم الأمسيات والنشاطات في أوروبا سهل جدا . يعني إذا كنت ذا اسم معروف في الأوساط الأدبية الأوروبية ومنخرط في المؤسسات التي تدعم النشاطات الأدبية من الممكن أن تحصل على ميزات كثيرة ، وهنا أدعو الأدباء أن يتجرؤوا وينظموا نشاطات خاصة بالأدب الفلسطيني خصوصا وأن هناك عدد كبير من المؤسسات والجمعيات الأوروبية التي تدعم القضية الفلسطينية وتقدم لها الدعم في أي وقت .

كيف تُقيِّم الأدب الفلسطيني في هذه المرحلة؟

بشكل عام هذه المرحلة مرحلة انحطاط أدبي . وقبل السفر إلى أوروبا و قبل 15 أو عشرين عاما ، كنا نبحث أنا وأصدقائي الذين يهتمون بالأدب وحتى الذين لا يهتمون بالأدب عن أمسيات شعرية هنا وهناك ولا نترك مهرجاناً مسرحياً أو ثقافيًا أو أدبيًا في دمشق إلا ونكون متواجدين فيه . أما الآن فنرى أن الفلسطينيين والعرب لم يعد عندهم هذا الحماس وقد أثر وجود الانترنت على القراءة والمطالعة وقراءة الكتب . فأصبحت الأمسية الشعرية بالنسبة إليهم حدثاً ثانوياً . هذا بالنسبة لجيلي أما بالنسبة للأجيال التي تصغرني سنا فلا أعلم اهتماماتها الحالية خصوصا بعد فترة انقطاع في اسكتلندا دامت خمس عشرة سنة. إلا أن ما يعيد الأمل إلى الشعر اهتمام الشباب بالمسابقات الشعرية المنتشرة على الفضائيات كمسابقة أمير الشعراء وشاعر العرب وغيرهما . وبالرغم من اللغط الكبير الذي يشوب هذه المسابقات من جوائز ومحرضات مادية ، إلا أنها استطاعت جذب الجماهير ، وأعادت لها اهتمامها ولو بنسبة ضئيلة لسماع الشعر باللغة الفصيحة ليعود بعد ذلك ليهتم بالأدب أكثر.

 

 

البث المباشر