"عيد اللحمة" هكذا يسميه الغزيون، لاسيما الفقراء كونهم يحصلون على حصص من الأضاحي فيمكنهم إعداد أشهى المأكولات التي يحرمون منها طيلة العام حتى يأتي عيد الأضحى ليلبي حاجتهم، ففي الأزقة وعلى الأسطح وشاطئ البحر تنتشر رائحة الشواء طيلة الأربعة أيام.
في مدينة جباليا حيث يكثر الجزارون، يصطف العشرات من الرجال والأطفال يحملون بأيديهم "أكياسا سوداء" تخفي داخلها قطعا من اللحم الضاني والعجل، وينتظرون دورهم في الوصول إلى اللحام كي يجهز لهم وجبة الكباب بتوابلها الحارقة مقابل 10 شواكل للكيلو الواحد، فيبقى الزبون ينتظر حتى يعود لعائلته لتناول وجبتهم اللذيذة.
الفتى "مصطفى" كان يقف برفقة شقيقته ذات الشعر الذهبي ينتظران دورهما بلهفة، وعندما اقتربا من الجزار علت وجهيهما الابتسامة، ويسيل لعاب الصغيرة من رائحة الشواء. انتظرا ما يقارب النصف ساعة فبدأت الصغيرة تمل ليعلق شقيقها "يلا خلصنا هلقيت بروح نأكل".
الجزار أحمد عبد ربه يقول لـ "الرسالة": هذه رزقتنا، نحاول إرضاء الجميع ونعمل بسرعة فائقة بمذاق جيد، فالكثير من الزبائن لا نراهم سوى في عيد الأضحى بسبب الظروف الاقتصادية السيئة"، لافتا إلى انه استأجر لمدة أسبوع محلا للشواء لتعويضهم عن قلة الإقبال في الأيام العادية".
ولم يقتصر عيد الأضحى بغزة على الشواء، بل تستغل العائلات تواجد جميع أفراد الأسرة لإقامة الولائم فيعدون رز القدر، وكذلك الفتة الغزاوية المميزة والمكونة من خبز الصاج والمرق يعلوها الأرز واللحم وتؤكل مع "دقة" حراقة.
هنا في حي النصر تستغل الحاجة أم أحمد الشنطي ثاني أيام العيد حين تأتي بناتها لمعايدتها، فتبدأ منذ ساعات الصباح الباكر في سلق اللحم وإعداد خبز الصاج بيدها حيث تفوح رائحته كما تقول كنتها "أسماء".
بسعادة تقول أم أحمد: "مباشرة بعد صلاة الظهر يجتمع جميع أبنائي وأحفادي لتناول الفتة كل عيد أضحى تحديدا، فهذه عادة قديمة وما زلت متمسكة بها"، وتكمل مبتسمة: بعض الصغار لا يحبونها فأصنع لهم الأرز الأصفر.
وهناك أكلة أخرى، هي "الكرشة والفوارغ" التي ينتظر الكثير من الغزيين الحصول عليها بعد ذبح الأضحية، فتقام عليها الولائم رغم أن البعض لا يفضل تناولها إما لرائحتها قبل طبخها أو لأنها تسبب التخمة، ومع ذلك يتقن الغزيون طبخها.
الثلاثيني " شعبان البراوي"، لم يستطع تقديم العيدية لشقيقاته في اليوم الأول نظرا لأزمة الرواتب، لكنه وجد الحل في شراء الكرشة وفوارغها ومن ثم إعدادها وطهيها وإقامة وليمة كبيرة لشقيقاته التسع.
يقول:" هي أكلة محببة لجميع أفراد عائلتي، إعدادها رفع عني الحرج أمام شقيقاتي لعدم مقدرتي على تعييدهن بالعيدية، لكن شعرن بسعادة أكبر حين دعوتهن لتناول وجبتهن المفضلة في جو ساده الضحك".
ويبقى عيد الأضحى سيد المواسم في أكلة اللحمة والوجبات التي تصنع منها وبقيت مخصصة له، فهو الخير للجميع كون الفقير قبل الغني يتناول تلك الأكلات الدسمة.