في الواحد والعشرين من أغسطس لعام 1969 أقدم المدعو مايكل روهان على إشعال النيران في منبر صلاح الدين الأيوبي والمصلى القبلي في المسجد الأقصى المبارك حتى طالت النيران قبة المسجد الأثرية.
اليوم تمر الذكرى الخمسين على تلك الجريمة التي بررها الاحتلال بأن فاعلها مختل عقليا وكانت تلك بداية النيران التي تأكل الأقصى منذ ذلك اليوم، ويتصدى لها أهالي القدس وحدهم في كل المرات.
في الخمسين عاما، مرت على المسجد الأقصى الكثير من الاعتداءات، تمر بمرور الحدث، ودون أن يغير العالم شيئا، وحدهم المقدسيون لا ينسون التاريخ ولا أحداثه، وهم فقط من يعد الجمرات ويحرق بنيرانها.
ففي يوم حار من أيام يونيو لعام 67 وبينما تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة، تستفرد العنصرية الإسرائيلية بالمسجد الأقصى مجددا فيدخل الجنرال موردخاي جور وجنوده المسجد الأقصى المبارك في اليوم الثالث من بداية حرب 67، رافعين العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة ممزقين المصاحف ومحرقيها، قبل أن يمنعوا المصلين من الصلاة فيه وإغلاقه بالمفاتيح.
وفي يوم 28 يناير 1976، قررت المحكمة المركزية الإسرائيلية أن لليهود الحق في الصلاة داخل الأقصى، وبذلك بدأت صفحة اقتحامات جديدة للأقصى، فأعطى اليهود لأنفسهم حق الصلاة والعبث بمحتوياته متى شاءوا، ولكن في كل مرة يثور سكان الأقصى وحراسه، في وجه المستوطن فيخرجوهم بالقوة وبدماء الشهداء، حتى لم تكتمل مرة من مرات الاقتحام الذي يتجدد كل أسبوع منذ ذلك الوقت.
لم تنته محاولات المحتل الخفية، حتى أتى يوم الثامن والعشرين من أغسطس لعام 1881 حينما كشف عن أول نفق تحت المسجد الأقصى وتحديدا أسفل حائط البراق، وهو ما كان بداية لكشف العديد من الحفريات والأنفاق التي بدأها الاحتلال خفية، ثم أعلن عنها بكل وقاحة متلحفا بصمت العالم العربي الذي لم يحرك ساكنا منذ تاريخ حرق الأقصى للمرة الأولى.
وفي نهار بارد من عام 84 وتحديدا يوم السادس والعشرين من يناير دخل يهوديان مسلحان إلى باحات الأقصى وهما يحملان كمية كبيرة من المتفجرات والقنابل بهدف نسف قبة الصخرة، وقد فشلت محاولتهما بعد تصدي أهالي الأقصى والمرابطين هناك.
وفي أيلول أسود من عام 2000 اقتحم شارون مدنسا باحات الأقصى، فكانت قدماه شرارة أولى لتفجير انتفاضة الأقصى والتي بدأت في الثامن والعشرين من الشهر، ثم خلفها عشرات الشهداء في اليوم التالي فكانت دماؤهم إشارات زكية تنبئ الاحتلال بأن للأقصى ثمن غال جدا إن فكر في تدنيسه.
وفي الواحد والعشرين من مايو 2016 كشف النقاب عن حفريات سرية تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي حول وأسفل المسجد الأقصى، وفي السادس عشر من أغسطس لنفس العام كشفت القناة الإسرائيلية الثانية في تقرير تلفزيوني عن خطة وضعتها منظمات وجمعيات إسرائيلية مدتها ثلاثة أعوام هدفها هدم المسجد الأقصى، وبناء "الهيكل المزعوم" على أنقاضه.
وها نحن نصل إلى عام 2019، ولم يستطع الاحتلال حتى إيقاف شيء من ذلك الزحف المقدسي الذي يراهن على حياته إكراما لبقاء الأقصى.
ولعل الحدث الأكثر بروزا في الأعوام الأخيرة كان في 15 يوليو 2017 عندما قررت سلطات الاحتلال نصب بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى فأعلن المقدسيون كعادتهم رفضهم، بل وعبروا عن غضبهم الجارف باعتصام مفتوح أمام البوابات، وإغلاقها عنوة حتى إزالة الكاميرات والبوابات الإلكترونية التي هدفها مراقبة الداخلين إلى الأقصى، وبالفعل كان انتصار المقدسيين لافتا، حينما دخلوا المسجد فاتحين لبواباته بعد إزالة كافة الكاميرات ولم يكن يملك الاحتلال وقتها سوى ملاحقتهم بقنابل الغاز المسيل للدموع وبأعيرته النارية التي أضحت فارغة من مضمونها.
وكان السادس من ديسمبر للعام 2017 يوما غير عادي على القدس أشعر المقدسيين بوحدتهم عندما أعلنت الولايات المتحدة القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، والتي أعطت للاحتلال منذ ذلك اليوم الضوء الأخضر لمزيد من الاقتحامات للأقصى والاعتقالات في صفوف المرابطين والمصلين حتى أن عدد الاقتحامات قد زاد لستة أضعافه منذ ذلك الحين، في ظل التطبيع العربي المتزايد.