كثر الحديث في إيران بُعيد إعادة مجموعة العمل المالي "فاتف" طهران إلى القائمة السوداء، بشأن سبل احتواء تداعياتها السلبية على الاقتصاد الوطني. فما الخيارات المتاحة أمام طهران لمنع انهيار اقتصادها الوطني؟
وبعد مضي أقل من 24 ساعة على فرض الخزانة الأميركية عقوبات على خمسة مسؤولين في مجلس صيانة الدستور الإيراني لحرمان آلاف المرشحين من خوض السباق التشريعي، أدرجت مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف) إيران من جديد على القائمة السوداء.
وبينما نددت إيران على لسان المتحدث باسم خارجيتها عباس موسوي بالخطوة، ووصفتها بأنها جاءت "بسبب النفوذ السعودي والأميركي والصهيوني في التحكم في الآليات الدولية وتسيس قراراتها"، قلل حاكم المصرف المركزي الإيراني عبد الناصر همتي من أهمية إدراج بلاده مرة أخرى باللائحة السوداء.
واعتبر المسؤول الإيراني أن إجراء المجموعة الدولية "لن يسبب أي مشكلة للتجارة الخارجية الإيرانية أو سعر الصرف"، وعزا سبب ذلك إلى أن النظام الاقتصادي المالي الإيراني تمكّن من إقامة علاقاته مع العالم خارج إطار "فاتف" في ظل العقوبات الأميركية الجائرة، على حد قوله.
وبعد نحو ستة أعوام قضتها إيران تحت طائلة القائمة السوداء، علقت مجموعة العمل المالي العقوبات عنها مؤقتا عام 2016 بعيد توقيع طهران الاتفاق النووي مع المجموعة السداسية (1+5)، ورهنت خروجها النهائي بقبول جميع القوانين والقرارات السائدة بمجموعة العمل الدولية.
خيارات معروفة
في ظل تزايد المخاوف في إيران من تداعيات إعادة فرض تدابير مضادة من شأنها أن تؤدي إلى تصفير الاستثمار الخارجي وإيقاف نشاطات الشركات الوطنية بالخارج وامتناع المؤسسات المالية العالمية عن التعامل مع شبكة المصارف الإيرانية، توجهنا بسؤال عن "الخيارات المتاحة أمام طهران لمنع انهيار اقتصادها" إلی الباحث الإيراني في الاقتصاد السياسي محمد إسلامي.
لا جديد حل بإيران بعد إعادتها إلى القائمة السوداء، وفق الباحث الإيراني الذي يرى أنه لا حاجة للبحث عن خيارات جديدة لمنع تدهور الاقتصاد الإيراني الذي تغلب على العقوبات الأميركية، لكنه لا ينفي تأثر اقتصاد بلاده نسبيا بعد إجراء مجموعة العمل المالي الأخير.
واعتبر إسلامي في حديثه للجزيرة نت "استمرار نهج العلاقات الاقتصادية والتجارية التي أقامتها إيران حتى الآن مع بعض الدول الأخرى" الخيار الأول والأسهل لإبطال مفعول عقوبات القائمة السوداء، مؤكدا أن هناك دولا لا تعتقد أصلا بسياسة العقوبات، وأن الالتفاف عليها لا يشكل خرقا للقوانين الدولية
وأضاف "العقوبات الأميركية طالت الكثير من القطاعات الإيرانية خلال العامين الأخيرين، ولا توجد علاقات رسمية بين شبكة المصارف الإيرانية ونظيراتها الدولية".
وأوضح المتحدث ذاته أن علاقات طهران المالية لم تنقطع مع العالم كما أرادت لها واشنطن، وهذا ما يشكل الخيار الثاني لمنع تدهور الاقتصاد الوطني.
أما "الالتفاف على العقوبات" فيشكل الخيار الثالث وفق إسلامي، الذي عبّر عن قناعته بنجاعة جميع السبل التي انتهجتها طهران خلال الفترة الماضية لإفشال سياسة أقصى العقوبات الأميركية الرامية إلی تصفير صادرات النفط الإيراني وقطع عوائد طهران من العملة الصعبة.
وكان نائب وزير النفط الإيراني أمير حسين زماني كشف عن طريقة جديدة لبيع النفط والالتفاف على العقوبات الأميركية عبر بيعه في "السوق الرمادية" دون الخوض في التفاصيل.
وقال في تصريح صحفي إن إيران حشدت جميع مواردها لبيع النفط في هذه السوق وتجاوز العقوبات التي نراها غير شرعية.
معاهدات مالية والسويفت الروسي
أما صحيفة "جام جم" فقدمت خيار رابعا تحت عنوان "الالتفاف على (فاتف) عبر المعاهدات النقدية"، وطالبت السلطات الإيرانية بعقد معاهدات مالية ثنائية أو متعددة الأطراف مع الدول الأخرى، مؤكدة أن بعض دول الجوار منها روسيا وتركيا وباكستان سبق أن قدمت مقترحات لعقد مثل هذه الاتفاقات.
ووفق الصحيفة، فإن الخيار الأخير لن يكون ناجعا إلا بإطلاق أطراف المعاهدات التجارية والمالية نظام تحويلات بينها ليحل محل نظام التحويلات العالمي "السويفت" للتبادل المالي بينها.
وسبق أن أعلن "معهد الدراسات المالية والمصرفية" التابع للبنك المركزي الإيراني عن قرار التحاق منظومة الاتصالات الإلكترونية المالية الوطنية بالسويفت الروسي، بهدف مكافحة الحظر المصرفي الأميركي على نظام السويفت العالمي.
عملة مشتركة
أما الباحث في مؤسسة "تاريخ معاصر" للدراسات رضا حجت فاقترح إطلاق عملة مشتركة بين إيران وحلفائها للمبادلات المالية فيما بينهم على غرار اليورو، فضلا عن بذلهم مزيدا من الاهتمام بالعملات الرقمية.
ورأى أن مقومات العبور من هيمنة الدولار الأميركي متوفرة في الصين وروسيا وإيران وحلقات محور المقاومة وحتى في أميركا اللاتينية، فضلا عن الرغبة الأوروبية لتقوية اليورو.
وكانت موسكو قد دشنت عام 2016 منظومة اتصالات مالية على غرار نظام التحويلات العالمي "السويفت" بعد تهديد وزارة الخزانة الأميركية بفرض دفعة جديدة من العقوبات المالية تمنع المصارف الروسية وشركاتها من استخدام السويفت العالمي، الأمر الذي رحبت به طهران وأعلنت التحاقها به في وقت لاحق.