يتوقف اتجاه سياسات الحكومة الصهيونية، التي ستشكل استنادا إلى نتائج الانتخابات الأخيرة إزاء الضفة الغربية وقطاع غزة، على طابع التركيبة الحزبية لهذه الحكومة.
ونظرا لأنه في ظل نتائج هذه الانتخابات سيكون من الصعب التنبؤ بهوية الشخص الذي سيقوم بتشكيل الحكومة القادمة، هذا إن كان بالإمكان تشكيل حكومة أصلا، على اعتبار أن كلا من تحالف "أزرق أبيض" و(يسرائيل بيتنا) وتحالف العمل ميريتس غيشر والقائمة العربية لديهم أغلبية مطلقة تجعل من تولي بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة أمرا مستبعدا.
من الواضح أن إعلان بني غانز، زعيم تحالف "أزرق أبيض" عزمه تشكيل حكومة بالاعتماد على دعم "يسرائيل بيتنا" و"العمل ميريتس غيشر" والقائمة العربية يهدف إلى الضغط على حزب الليكود للتخلي عن نتنياهو، على اعتبار أن هذه الأحزاب قد التزمت بعدم المشاركة في حكومة يرأسها نتنياهو بسبب قضايا الفساد الموجهة له.
لكن من الواضح أن إعلان غانز يبدو أنه تهديد أكثر من أنه توجه عملي لتشكيل حكومة ضيقة، على اعتبار أن أوساطا داخل "أزرق أبيض" و"يسرائيل بيتنا" ترفض تشكيل حكومة تستند إلى دعم القائمة العربية الموحدة بقيادة أيمن عودة؛ خاصة أن أفيغدور ليبرمان زعيم "يسرائيل بيتنا" كان قد أعلن في السابق بأنه لا يمكن أن يوافق على تشكيل حكومة بدعم القائمة العربية من الخارج، على اعتبار أنه يصف أعضاء القائمة بمثابة "طابور خامس" و"سكين في ظهر (إسرائيل)".
من هنا، على الرغم من أن هذه الأحزاب تملك مجتمعة 62 مقعدا في البرلمان الجديد، أي أغلبية مطلقة، لكنها غير متجانسة أيديولوجيا واجتماعيا، لذا فرص توافقها على تشكيل حكومة متدنية جدا.
وفي المقابل، فإن تحالف أحزاب اليمين، الذي يضم الليكود و"يمينا" و"شاس" و"يهدوت هتوراة" والذي يملك 58 مقعدا في البرلمان يصر على أنه لا يمكن أن يشارك إلا في حكومة يشكلها نتنياهو. إلى جانب، ذلك يعي تحالف أحزاب اليمين بقيادة نتنياهو حقيقة عدم تجانس الأحزاب التي تواجهه، ويبدو مطمئنا إلى أن غانز لن يتمكن من تشكيل حكومة.
من ناحية ثانية، يعي نتنياهو طابع التوجهات اليمينية المتطرفة لإجمال الجمهور الصهيوني ويحاول تغذيتها بالرسائل الهادفة إلى نزع الشرعية عن أن أية محاولة لتشكيل حكومة يمكن أن تستند إلى دعم القائمة العربية من الخارج.
من هنا، فإن عدم التمكن من تشكيل حكومة والاضطرار لجولة انتخابات رابعة يعني تمديد ولاية حكومة نتنياهو الانتقالية لعام إضافي تقريبا، وهو ما يمكنها من إمضاء سياسات تهدف إلى توفير البيئة لحسم الانتخابات القادمة عبر تبني سياسات أكثر تطرفا وجنونا.
فحتى عندما يقود نتنياهو حكومة انتقالية، فإن بوسعه ضم مناطق واسعة من الضفة، وعلى رأسها منطقة غور الأردن، التي تشكل حوالي 30% من مساحة الضفة؛ حيث أن جاريد كوشنير، مستشار ترامب وصهره المتنفذ أعلن أن الأزمة السياسية الداخلية في الكيان الصهيوني لن تحول دون موافقة الولايات المتحدة على أي قرار تتخذه (تل أبيب) بضم مناطق في الضفة الغربية، عقابا للفلسطينيين على رفضهم العودة للمفاوضات.
وبقاء نتنياهو على رأس حكومة انتقالية يعني تطبيق القرارات التي اتخذها بشأن بناء مشاريع استيطانية ذات أغراض إستراتيجية واضحة؛ مثل مشروع "E1"، الذي يربط القدس الشرقية بمستوطنة "معاليه أدوميم"، الذي سيفضي إنجازه إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها وإسدال الستار على فكرة الدولة الفلسطينية ذات الإقليم المتصل.
ولن يكون من المستبعد أن يواصل الصهاينة في ظل حكومة انتقالية تكريس الأمر الواقع في القدس والمسجد الأقصى عبر محاولة فرض التقاسم الزماني والمكاني.
المفارقة أن سياسات سلطة عباس لا تمثل تحديا يمكن أن يردع الصهاينة عن سلوك هذا المسار؛ حيث أنه في الوقت الذي يهاجم عباس "صفقة القرن" إعلاميا يواصل تعاونه الأمني مع الصهاينة وكأن شيئا لم يكن.
هذا عوضا عن مصادر التشجيع الذي تتلقاه (إسرائيل) من حالة التيه التي تعصف بالنظام الرسمي العربي.