قائد الطوفان قائد الطوفان

كورونا وبهجة رمضان.. المصريون محرومون من الاحتفال في ميدان الحسين

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الرسالة نت- وكالات

اعتاد المصريون على قضاء شهر رمضان، بين ذكريات القاهرة القديمة، بين جنبات الحسين، ومقاهي المعز، وأزقة حي الجمالية العتيق، من نفحات العصور الإسلامية، التي يبحثون عنها في زيارات ذات المزارات، لكنها في كل مرة، كانت تحمل طابع الزيارة الاولى، بنفس المتعة وذات السحر وتمام البريق.

اللوحة الصامتة

لكن في هذا العام، وبعد أن سيطر الكورونا على العالم، تغيرت معالم الحي الأثري، واختفت المظاهر الاحتفالية من ميدان الحسين، وغابت الفرحة من المعز لدين الله، وانطفأت أنوار الشارع الأثري، وأغلقت المقاهي وانتهت أسطورة صورة الملاية اللف "الزي المصري الشعبي"، أو الزي العثماني، أو الرداء الهندي، وتحول الشارع الذي كان قبلة الآلاف في ليالي رمضان، إلى لوحة صامتة مظلمة.

لم يعتد أهل حي الحسين هذا الصمت المخيم على الحي المزدان بالأضواء، منذ الليلة الأولى للشهر الفضيل، غابت أنوار المسجد الحسيني، كما غاب صوت التراويح والتسابيح الليلة، شارف الشهر على الانتهاء، وانتهت آمال الجميع في انتهاء حظر التجوال، وعودة الأمور لقواعدها، واستعادة وجه الحياة في أزقة القاهرة الفاطمية وحواريها.

باب الرزق المغلق

ثلاثون يوما، كانت بمثابة موسم للرزق، ينتظرها أهالي حي الحسين، لازدهار حركة البيع والشراء، الجميع يعمل، حتى من كان بلا عمل في باقي شهور العام، يجد له عملا في شهر رمضان، هكذا كان حال إيمان، التي بدأت في رمضان الماضي، مشروعها لبيع الزبادي ومنتجات الألبان في شارع المعز، فازت إيمان بمكاسب هائلة، في موسمها الأول، وكانت تمني نفسها بتكرار التجربة في رمضان هذا العام، ولم تكن تتوقع أن يبدد (كوفيد19) آمالها، ويقضي على طموحاتها، بتوفير مصروفات المدرسة لأبنائها الثلاثة.

تقول إيمان "لست الوحيدة التي ضاع رزقها هذا العام، لكن مئات العاملين في شارع المعز ومقاهي ومطاعم الحسين، كل هؤلاء في منازلهم، لا أحد يعرف كيف يقضون يومهم".

قهوة الفيشاوي، والمالكي، ومطعم الدهان العتيق، ومطعم فرحات للمشويات، وفطاطري الحسين، والقبطي للعرقسوس، أسماء حفرت تاريخها في أذهان كل من قضى سهرة رمضانية في الحسين، فتناول إفطاره في الدهان، مفطرا على عرقسوس القبطي الأصلي، ثم تناول حلواه في المالكي، وقضى بقية السهرة يستمع لعزف العود، مستمتعا بالمذاق الخاص لبراد الشاي الأزرق، المنكه بالنعناع الأخضر، على مقهى الفيشاوي.

انتهت الرحلة مؤقتا

انتهى زمن هذه الرحلة، بعد أن أظلم الميدان، وغلقت المقاهي، واكتفت المطاعم بطلبات التوصيل، يتذكر طارق أبو الوفا، صاحب أحد مقاهي شارع المعز، كيف كانت مكاسبه ومكاسب عماله العام الماضي، حيث لم يكن في المعز موطأ لقدم، آلاف الزائرين يوميا، في شارع يبدو الآن خاويا على عروشه.

يقول أبو الوفا أن مئات العمال تقطعت بهم الأسباب، ومنذ ثلاثة أشهر وهم في بيوتهم، بلا مصدر رزق، حتى اضطر أصحاب بعض مقاهي الحي أن يبحثوا عن مهنة أخرى، فلا أمل قريب في عودتهم للعمل، محال لبيع الخضار، أو محال بقالة، النشاط الجديد الذي استبدل به أصحاب المقاهي مهنتهم، لكن العمال، لم يجدوا مكانا لهم في العمل الجديد، مضيفا "عمالة محل خضار أو بقالة، لا تحتاج لعدد كبير من العمال مثل المقاهي، لكن لا حيلة بيدنا".

عبر موقع التواصل الإجتماعي، فيسبوك، قرر أهالي حي الجمالية والحسين، إحياء المظاهر الاحتفالية لشهر رمضان، عبر مشاركة الصور والفيديوهات الخاصة بكل منهم في مجموعة خاصة تم إنشائها لهذا الغرض، قبل يومين من بداية الشهر الكريم.

لقطات قديمة لرمضان في الحي السياحي الأول في القاهرة، وموائد الرحمن في المشهد الحسيني، ومقهى أم كلثوم في المعز، و ذكريات أصبحت من الماضي، بعد أن كانت منذ شهور قليلة ملء السمع والبصر، يقول الحاج وحيد، أحد سكان حي الحسين، والموظف السابق بمصلحة الدمغة، إنه لم يكن يتخيل أنه سيأتي زمن يلف الصمت أرجاء الحسين، حتى ذلك المقهي الملاصق لمنزل الرجل الستيني، والذي طالما ضايقته أصوات الغناء والموسيقى المزعجة المنطلقة منه في ليالي رمضان، صار الآن يفتقده، ويفتقد ذلك الضجيج الذي غادر الحسين، ولا أحد يعرف متى يعود مرة أخرى.

وتابع قائلا "أسكن الحسين منذ 62 عام، قضيت حياتي كلها فيه، لم يمر علينا أبدا رمضان مثل هذا العام، ولم تصمت أبدا أصوات الحسين والأزهر، ولا نسأل سوى الله أن يخرجنا من رحالنا وبيوتنا إلى بيوته ومساجده مرة أخرى".

المصدر : الجزيرة

البث المباشر