قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: المرحلة الخامسة: الندية

ابراهيم الزعيم
ابراهيم الزعيم

د. ابراهيم صقر الزعيم

كانت هذه مرحلة فارقة في تاريخ الصراع بين دولة التوحيد النبوية ودولة الشرك الجاهلية، وأهميتها أنها كانت تملك من الحشد والقوة والتصميم، ما يمكنها من استئصال الدولة الجديدة، كان حشدهم عشرةَ آلاف مقاتل، معهم الأشداء من الرجال، وأحدث السلاح، أما عزمهم على القضاء على دولة الإسلام فأخذوا عليه العهود والمواثيق، فلما بلغوا المدينة، كان الله لهم بالمرصاد، فعادوا خائبين مدحورين، وحفظ الله أنصاره.

وإذا كانت هذه الهجمة المنظمة والشرسة لم تنجح في إنهاء المشروع الإسلامي، فإنها لن تنجح في المستقبل في تحقيق هذا الهدف، على الأقل من الجانب الإداري، فضلاً عن الجانب الأخلاقي، ولذلك فإن هذه الحملة كانت خيراً محضاً على الدعوة الإسلامية، وذلك على عكس ما أراده أعداؤها، فالجيش الإسلامي بعد الأحزاب، ليس هو ذاته قبلها.

فمن اليوم فصاعداً لن تجرؤَ قريش على السير إلى المدينة المنورة، بل تكون الأخيرة هي مصدرَ الفعل، فيسير إليهم جيش التوحيد يزلزل أفئدتهم، ويقتلع باطلهم، والجديد في سيره بعد الأحزاب إليهم، عن سيره إليهم قبلها، سيما في السرايا التي سبقت غزوة بدر، أن السير قبل الأحزاب كان مسيرَ من يسعى للحفاظ على كيانه الفكري، والسياسي، والاجتماعي، أما السير بعدها فهو مسير من يسعى لاقتلاع كيان الباطل الفكري، والسياسي، والاجتماعي.

إن فرض معادلة جديدة في المعركة مع الخصم، ليس أمراً هيناً، فهذا يأتي نتاج محطات عديدة، يحاول فيها الباطل فرضَ معادلته بمنطق القوة، وبالعقلية التي يفهمها، وبالسياسة ذاتها، تدخل معه الجماعة المؤمنة في مرحلة خطيرة، فقوتها لا تباري قوته، لكن ما يرجح كفتها هو قوة الإيمان، ثم قوة الحق، الذي تقاتل من أجله.

وهذا ما كان من رسول الله ﷺ حين قال بعد أن أجلى الأحزاب عن المدينة: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم".

هي إذن معالم مرحلة، تكون فيها الكلمة العليا لأهل الحق، وإن كان الباطل يحتفظ بتفوقه العسكري، لكن قوة الحق قد بلغت من العدد والعدة والجرأة ما يمكنها من اختيار زمان المعركة ومكانها، وفرض مجرياتها، وعندها تميل الكفة لصالحها، بعد مشيئة الله وقدرته.  

أهداف المرحلة:

تغيَّرت موازين القوى، وزادت قدرة المسلمين على الهجوم أكثر من قبل؛ فقد سعى رسول الله ﷺ لبسط سيادة الدولة على ما تبقى من قوى حول المدينة؛ لأن ذلك له صلة بالإعداد لغزو قريش في مرحلة لاحقة، ففي العام السادس شارك في غزوتين، وأرسل أربعَ عشرةَ سريةً، وهذه الأعمال والتحركات كما يقول الدكتور علي الصلابي، قصد منها المزيد من إنهاك قوى قريش بإحكام الحصار، وتقليم أظفارها؛ من خلال اقتطاع كل ما يمدها بالقوة من حلفائها. 

وهذا يمكن أن نطلق عليه وصف (تغيير قواعد الاشتباك) مع قريش والقوى الحليفة لها، ولهذا فإن الحركة الإسلامية قد غيَّرت قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، فقد لاحظنا أن الاحتلال الإسرائيلي حاول فرض قاعدة اشتباك جديدة، تتمثل في ضرب العديد من الأهداف، مقابل كلِّ صاروخ يطلق من قطاع غزة، ففرض المجاهدون خلال حرب 2014 وبعدها قاعدةً جديدة، وهي صاروخ بصاروخ، وهذه سياسة جديدة فرضتها القوة، ومع فارق القوة العسكرية بين الطرفين؛ لكنَّ العدوَّ أكثر من يعرف قوة أصحاب العقيدة الصحيحة وصدقهم في إيمانهم.

البث المباشر