الزاملي.. هكذا قضى أول شهيد في عدوان 2014

الزاملي
الزاملي

الرسالة نت-سجى حمدان   

في ليلةِ التاسع من رمضان عام (2014)، حيثُ عقارب الساعة تتساوى عند خط الواحدةِ صباحاً، وطائرات الاحتلال تفرد أجنحتها على السماء ليرعد صوتها في كل ناحية.

كانت عينا رواء الزاملي تُراقب شاشة التلفاز بعد أن عاد التيار الكهربائي المقطوع منذ زمن، وخبرٌ عاجلٌ في منتصف الشريط الأحمر: "استشهاد المجاهد عبد الرحمن الزاملي في قصف صهيوني شرق رفح".

يمرُّ الخبرُ بكافة الحواس قبل أن يصل مرحلة الاستيعاب، فينقطعُ عن الحنجرةِ حبلُ الكلام، وتشخصُ العين فلا تستطيعُ البكاء، لا تُصدق الأم فتركض على ملء وجهها إلى مستشفى النجار برفح، لسانُ قلبها يقول "مستحيل" بعدما وقف الخبر في منتصف روحها فشطرها إلى نصفين، لتتأكد حين وصولها من استشهاده، مشاهد تتوالى لا تبدِي لها رواء ردّ فعلٍ يُذكر وهي لا تزال داخل قوقعة الصدمة.

عبد الرحمن الزاملي أول شهداء العدوان على غزة عام (2014)، واحدٌ من الشهداء الذين تركوا قصة وتفاصيل لا يدركها إلا من عاشها، أو سمع عنها.

حبٌّ منذ الطفولة

عبد الرحمن هو الفرد الأكبر في عائلته، تقول رواء شقيقة الشهيد: تميز بالهدوء والذكاء حيث حفظ القرءان كاملاً في الرابعة عشرة من عمره، وكان متفوقاً في دراسته الأكاديمية.

التحق عبد الرحمن بتخصص اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، ليُثري مفرداته ويتعمق في مجالات اللغة التي أحبَّ، فيوازن بينها وبين عمله في الإعداد والجهاد.

كما كانت له مكانة مميزة بين أصدقاء الرياضة وفق شقيقته، حيث كان لاعباً في منتخب الجامعة الإسلامية لكرة القدم، ودوماً كان يفوز في مسابقات الجري بالمركز الأول، وكان فارساً يمتطي الخيل، ولديه لياقة عالية تمكنه من السباحة بمهارة عالية.

تُردِف رواء: "كنا نلقبه بـ "أبي عمر" لفرط حبه واقتدائه بشخصية عمر بن الخطاب التي جمعت بين الشدة واللين والعدل، وطبق مقولة عمر في حياته فتعلم السباحة والرماية وركوب الخيل".

كان لدى عبد الرحمن ملكة الشعر والخطابة، فدوماً ما لفت أنظار من حوله لسرعة بديهته ودقته في انتقاء الكلمات وإيصال الأفكار إلى السامعين، كما كان صوته جميلٌ في القرآن فيدفعه أقرانه ليكون إمامهم في صلاة القيام، أو عندما يخرجون إلى نزهة فيدركهم وقت الصلاة.

تتابع رواء: "كنا نحبُّ سماع صوته حيث كان قريباً من القلب، كما كان ينشد هو ورفاقه أثناء مهمات الإعداد والجهاد فدوماً ما كانوا يرددون نشيد "وين أيامنا وين".

تفاصيل أخيرة..

بدأت بوادر العدوان على غزة تظهر في بداية شهر يوليو2014 حيث أصبح يخرج عبد الرحمن ورفاقه كثيراً للإعداد، تقول رواء: "آخر مرة أفطر عبد الرحمن فيها معنا كان اليوم الرابع من رمضان، أكل الملوخية.

وكما تشعر الأمهات دوماً بالأحداث قبل وقوعها كان لدى أم عبد الرحمن هذا الحدس فأوقفته قبل أن يخرج وقالت له:" لا تُخفنا عليك يا عبد الرحمن"، فيجيبها بثقة: "سأعود".

خرج عبد الرحمن بعد صلاة الفجر حيث يقبع الرفاق عند الثغور، بعد أن تم اختياره ضمن المجموعة التي ستنفذ مهمة تفجير موقع كرم أبو سالم، مكملاً مهمته بعد أن كان ممن زرعوا المتفجرات أسفل هذا الموقع عبر نفق.

تصاعدت الأمور ليلاً وصوت القصف يعلو من كلِّ حدبٍ وصوب، وحين كان يؤدي عبد الرحمن مهمته، تسرب غاز سام إلى النفق الذي كان فيه مع رفاقه؛ وذلك بسبب القصف الإسرائيلي لمحيط النفق، فارتقى عبد الرحمن شهيداً يوم الاثنين في التاسع من رمضان عن عمرٍ يناهز 22 عاماً، ليصادف هذا اليوم نفس يوم ميلاده الهجري.

رحل عبد الرحمن عن الدنيا صائماً قبل إكمال مهمته، فأكملها رفاقه من بعده.

"عندما ذهبنا للمستشفى بعد استشهاده، ذهلنا لأن المكان امتلأ بأشبال عبد الرحمن الذين دربهم في المخيمات الصيفية حيث جاؤوا لتوديعه وإلقاء النظرة الأخيرة عليه"، تقول رواء.

تقول رواء:" شعرنا بألم الفراق الحقيقي بعد انقضاء أيام العزاء الثلاثة ومغادرة الناس، أبي لم يبكِ إلا في اليوم الرابع حين كان يفكُّ الشبان خيمة العزاء".

بعد مرور سبع سنوات من استشهاده لا زال عبد الرحمن حاضراً بين عائلته وأصدقائه، يعيش بين مواقفهم وتفاصيل حياتهم، حيث رُزق شقيق الشهيد بطفل فأسماه "عبد الرحمن"، ذاك أن الشهداء لا يموتون، فتبقى أسماؤهم وصفاتهم تصنعُ هالةً من النور حول من أحبوه وأحبهم.

 

 

البث المباشر