أرادت مشيئة الله أن يتصادف التهافت على التطبيع مع الكيان الصهيوني مع حلول الذكرى العشرين لاندلاع انتفاضة الأقصى.
فقد مثلت هذه المصادفة رسالة مفادها أن هذا التهافت، كما فشل في الماضي في المس بإرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، فلن ينجح حاليا ولا في المستقبل.
ومن الأهمية بمكان التذكير بأن انتفاضة الأقصى التي اندلعت في أكتوبر 2000 جاءت بعد أن سادت علاقات تطبيعية بين (إسرائيل) ومعظم الدول العربية، وضمن ذلك افتتاح الكيان الصهيوني ممثليات له في العديد من العواصم العربية.
لكن صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته العظيمة نجحت في غضون وقت قصير في احتواء هذه الموجة التطبيعية وإجبار أنظمة الحكم على تغيير تعاطيها، العلني على الأقل، مع القضية الفلسطينية.
صحيح أن مسؤولا إمارتيا أعلن أن اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني سيصمد حتى لو شنت (إسرائيل) حربا عدوانية على الشعب الفلسطيني، على غرار الحرب الأخيرة على غزة، إلا أنه من الواضح أن تشبث الشعب الفلسطيني بمقاومته وحقوقه ورفضه التصرف وفق قواعد السلوك التي تراهن واشنطن وتل أبيب على فرضها في أعقاب التطبيع، سيقلب الأمور رأسا على عقب.
فهذا التكالب على إشهار التحالف مع الكيان الصهيوني في ظل وجود الحكومة الأكثر تطرفا ويمينية في تاريخه سيغري الصهاينة للقبام بالمزيد من الخطوات الهادفة إلى تكريس سياسة الأمر الواقع وفرض التهويد بشكل غير مسبوق؛ وهذا ما سيرد عليه الشعب الفلسطيني بكل قوة لأنه يمثل استهدافا لوجوده بشقيه المادي والسياسي.
فجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه شرح في المؤتمر الصحافي الذي عقد في البيت الأبيض بمناسبة الإعلان عن اتفاق التطبيع مع البحرين كيف يسهم اتفاقا التطبيع في تصفية قضية الأقصى والقدس؛ حيث قال"بفضل الاتفاقين، يصبح بمقدور العرب زيارة المسجد الأقصى، وهؤلاء العرب سيخبرون أقرانهم بأن (إسرائيل) تحترم دينهم.. وهذا يقلص من دور الأقصى في تأجيج الكراهية ويساعد العرب على عدم ربط مصالحهم بالقضية الفلسطينية".
بمعنى أن اتفاقات التطبيع تمهد في الواقع البيئة أمام تمكين الكيان الصهيوني من تطبيق أجندته المتطرفة وتقديمها على أساس أنها تحظى بدعم عربي. إلى جانب ذلك، فإن ما يقوله كوشنر يمثل ردا على مزاعم الدول المطبعة بأن التطبيع يساعد الفلسطينيين وقضيتهم.
وعليه فإن الشعب الفلسطيني الذي فجر هبة شعبية عارمة لمجرد أن الكيان الصهيوني حاول فرض سياسة البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى، سيعرف كيف ينتصر لمقدساته وقضيته.
المفارقة أن الكثير من النخب الصهيونية أكثر حكمة من العرب المتهافتين على التطبيع؛ حيث أن هذه النخب تخشى تداعيات سلبية لاتفاق التطبيع.
فلم تكن صدفة أن التقدير الاستراتيجي السنوي الذي أعدته هيئة أركان الجيش الصهيوني، والذي كشف عن بنوده العامة موقع "وللا" أواخر الأسبوع القادم يحذر من أن الاتفاقات التي توقعها دول خليجية مع الكيان الصهيوني لن تقلص مستوى المخاطر على هذا الكيان؛ بل إنها، حسب التقديرات الصهيونية، ستولد مخاطر جديدة.
وقد شرح معدو التقدير بأن مخاوفهم تتمحور حول إمكانية انفجار الأوضاع في الضفة الغربية على وجه الخصوص.
الكرة الآن في الملعب الفلسطيني؛ فعلى الفلسطينيين أن يحققوا مخاوف الصهاينة، ليس فقط لتحييد تبعات مسار التطبيع الخطيرة، بل لتحويل هذا المسار إلى فرصة تؤسس لاستعادة القضية الفلسطينية مكانتها العربية.