السوط و"الشوبك"أدوات جديدة

عقاب الأبناء..مشاهد درامية من وحي الواقع

 

القضاء: قانون الطفل يكفل له حقوقه

الشرطة:الفتيات الأكثر في تقديم الشكوى ضد ذويهم

تربوي: العطف والحنان من أنواع التربية السليمة

أخصائي اجتماعي:الطفل المعاقب أب معاقب في المستقبل

الشريعة: الإسلام نهى عن الضرب المبرح

الرسالة نت - مها شهوان

"أول مرة وآخر مرة يا بابا سامحني مش راح أعيدها " تلك كانت آخر عبارة لفظتها "أسماء.ق" "15عاما "قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ، فقد قتلها والدها في لحظة غضب رغم سنوات عمرها التي لم تشفع لها بسبب مساعدتها لجارتها المسكينة بالنسبة لها و"اللئيمة" حسب وصف جيرانها.

طيبة الفتاة جعلت جارتها تستغلها لتجلب لها المال الذي كان يدخره والدها من وراء عمله بالسباكة ، باعتبار ذلك عمل إنساني ، ولم يكن والدها يشعر بنقصان ماله لكثرته فهو "تحويشة العمر" الذي من أجلها حرم أبناءه من تلبية احتياجاتهم.

وفي إحدى ليالي مدينة غزة المقمرة كان موعد أسماء مع الموت حينما أتت جارتها في تمام الساعة العاشرة مساء إلى بيتها حسب الموعد المحدد لتعطيها المال ،لكن وعلى غفلة استيقظ الأب ورأى المال في يد الجارة مما لفت الموقف انتباهه وسأل ابنته فقالت "لا أعلم "، معللة له أن الجارة جاءت لتأخذ حلة الطعام، لكن الأب لم يصدق واشتاط غضبا وبقي يلح عليها حتى اعترفت له.

ولم تكن أسماء وحدها من عوقبت من قبل ذويها في لحظة غضب بل هناك الكثير من الأهالي الذين تسببوا في عاهات أو إعاقات أو اضطرابات نفسيه وحتى الموت لأبنائهم بهدف تربيتهم وذلك يرجع لأساليب التربية المتسرعة .

"الرسالة نت" نبشت في ثنايا الموضوع للتعرف على كيفية حماية القانون للأبناء من قبل ذويهم، وكيفية وصول تلك القضايا لمراكز الشرطة ، إلى جانب معرفة الآثار النفسية التي تطبع في شخصية الأبناء المعنفين ، بالإضافة إلى معرفة أساليب التربية في الإسلام.

مطرق الحديد

وبعدما سمع الأب التفاصيل من ابنته أخذ يضربها بيده ومن ثم سحبها من شعرها إلى دورة المياه وبات يخبط رأسها بالحائط  ويسكب عليها الماء الساخن ومن ثم تناول خرطوم المياه ليشفى غليله حتى سقطت منه أرضا وارتطم رأسها بحنفية الماء ومن بعدها لفظت أنفاسها الأخيرة قبل إسعافها.

وحينما علم الجيران بالأمر أبلغوا الشرطة التي بدورها زجت الأب خلف القضبان، وبعد انتهاء مدة مكوثه بالسجن خرج إنسانا آخر يعطف على أبنائه ويلبي رغباتهم لعل رب العالمين يغفر له.

وذكر قريب الفتاة الذي روى الحكاية أن جدها كان يعامل والدها وأعمامها معاملة قاسية فقد كان يضربهم بمطرق الحديد على أصابعهم.

وفي حكاية أخرى روت تفاصيلها الطفلة ريما "11 عاما" حينما كانت تتجول  قبل الظهيرة بساعة واحدة  في إحدى الأراضي الزراعية القريبة من بيتها شمال القطاع وهي محتضنة بين ذراعيها أخيها الصغير مهدهدة إياه عله ينام ،اقتربت "الرسالة" منها لتسألها عن عدم ذهابها للمدرسة حتى تلفتت حولها خشية أن يراها أحد وقالت :" زوجة والدي منعتني وهددتني إذا ذهبت ستخبر والدي الذي يضربني دون رحمة، انظروا إلى علامات الضرب على يدي وظهري ".

وأضافت الطفلة بكلمات يغمرها الأسى :"قبل عام سقطت أختي رانيا "5 أعوام" أرضا مغشيا عليها حتى فارقت الحياة بسبب هول الصدمة التي رأتها عندما استيقظت وشاهدت أبي وزوجته يضربونني"، مضيفة: وفي حال أخطأت وأخواني يقوم والدي بتكبيل أرجلنا بالحبل ويبدأ ضربنا "بشوبك العجين".

تابعت الفتاة حكايتها حتى أغرورقت الدموع في مقلتيها :في إحدى المرات سكبت زوجة أبي الماء الساخن على ظهري بحجة أنني احتاج لتربية من جديد".

تلك الحكاية من يسمعها ربما يشعر أنها من وحي الخيال أو مشهد درامي لكنها بالفعل واقعه حقيقة لطفلة من المفترض أن تلهو مع زميلاتها بالمدرسة .

ولمعرفة كيفية حماية القانون لهؤلاء الأطفال طرحت "الرسالة" القضية على رئيس محكمة بداية غزة القاضي أشرف فارس حيث ذكر بدوره أن "حق التأديب" الذي يمارسه الآباء تجاه أبنائهم يجب ألا يتجاوز الحد الطبيعي.

وفيما يختص بالأبناء الذين يتعرضون للعنف من قبل ذويهم أوضح أن من حقهم تقديم تقرير طبي للشرطة والنيابة يبين آثار الضرب لتوجيه التهم المناسبة، منوها في الوقت ذاته إلى أن القضاء يأخذ  بعين الاعتبار الظروف الإنسانية المحيطة بالأشخاص .

وقبل أسابيع قليلة شهد قطاع غزة حادثتين إحداها حينما قام الأب بقتل ابنه في لحظة غضب ،والثانية رجل طعن ولده مما أصيب بجراح بالغه ،وحول كيفية تعاطي القضاء مع تلك الحالات قال رئيس محكمة بداية غزة :" لا يقتل الأب في حال قتل ابنه بنفسه لأنه ولي الدم ،لكن في حال قتل الابن والده يقام عليه حد القتل"،مبينا أن القانون في التطبيق العملي يأخذ بعين الاعتبار المعايير الاجتماعية والأسرية والنفسية خشية الآثار الخطيرة التي قد تنعكس على الأسرة والمجتمع.

ولفت إلى أنه في حال كانت الجريمة قاسية بحق أحد أفراد الأسرة  ومثيرة للاشمئزاز و الرأي العام ينزل القضاء أقصى عقوبة .

وكثيرا من القضايا التي تعرض على القضاء يكون ضحيتها الأطفال وفيما يتعلق بتصديق أقوالهم أكد على أن كلام الطفل أصدق وإن كانت شهادته تؤخذ على سبيل الاستئناس "دون حلف اليمين" باعتباره طفل.

وأشار إلى أن قانون الطفل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2004 والذي عرف الطفل من لم يبلغ سن الـ18 فقد كان هدفه حماية حقوق الطفل في البقاء والنماء والتمتع بحياة حرة ولا يجوز المساس بها،بالإضافة إلى حقهم بالتعليم والعلاج والطعام ،مؤكدا أن القانون حمل من يتولى رعاية الطفل المسئولية أمام القضاء.

التأديب بالسجن

ويرقد أحد الأطفال الذي رفض ذكر اسمه في مؤسسة الربيع للأحداث متحدثا "للرسالة" عن سبب وجوده، فهو يبلغ من العمر الثانية عشر وبمجرد الحديث معه يشعر الجالس أمامه أنه أكبر من سنه لا لضخامة بنيته بل لطلاقة لسانه وحنكته بالكلام رغم صغر جسده.

عقد الطفل حاجبيه وبدأ يتحدث عن سبب وجوده قائلا:" في أحد الأيام جاءني صديقي بعلم أهله وطلب مني مبلغ ما يقارب الخمسة آلاف دينار لشراء دراجات نارية دون أن أخبر والدي لاعتقاده أنهم سيردونه بعد شهرين لاسيما وأنني أعلم المكان الذي يضع فيه المال"، مضيفا:جلبت لهم ما يحتاجونه وبعدها بدءوا يتهربون مني إلى أن أخبرت والدي وانهال علي بالضرب دون أن توقفه توسلات أمي وجدتي ومن ثم أخبر الشرطة التي ألقت القبض علي وعلى صديقي فكان مصيرنا مؤسسة الربيع للأحداث.

ومنذ ما يقارب الشهرين يمكث الطفل بالمؤسسة منتظرا أن يتنازل والده عن البلاغ لكنه يرفض بحجة أنه يريد تربية ابنه ، فهو وبحسب قوله مشتاق ليعود إلى بيته ومدرسته فهو لم ير أحدا منذ وجوده بالمؤسسة سوى أمه التي تأتي خلسة من وقت لآخر .

والى الجانب من الطفل يجلس الأخصائي الاجتماعي للمؤسسة حاتم صالح حيث ذكر أنه حين وصول الطفل الحدث إلى المؤسسة يتم دراسة حالته للتعرف على الأسباب النفسية التي جعلت منه حدثا وذلك لوضع خطة علاج مناسبة له،موضحا أن الحدث يكون من عمر 12 لـ 18 عاما.

وبين أن متوسط عدد الحالات التي تتواجد في المؤسسة طيلة العام قد تصل إلى 400 حالة.

وحول كيفية استيعاب المؤسسة للطفل الحدث قال:"حينما يأتي الطفل يكون مرعوبا بسبب التحقيق الذي أجري معه في الشرطة لكن ما أن يصل للمؤسسة يقوم المرشد بالتخفيف من روعه وطمأنته  خلال الجلوس معه ومن ثم يعرفه على المؤسسة".

يتعاطى المخدرات

ومن جهة أخرى تحدث مدير مكتب الشرطة الإعلامي الرائد أيمن البطنيجي أن هناك الكثير من الشكاوي التي تصل من قبل الأبناء ضد ذويهم بسبب اعتداءات الأهالي عليهم، مشيرا إلى أنهم يحاولون معالجة تلك الحالات داخل مركز الشرطة من خلال استدعاء احد الوالدين المشتكي ضده ومحاولة الإصلاح بينهم وغالبا ما تحل داخليا عبر العلاقات العامة لأن الشرطة لا تميل إلى حبس الآباء.

وقال البطنيجي:"الكثير من الفتيات يتقدمن ببلاغ ضد ذويهم لاسيما لمنعهم من الزواج إن كن موظفات، إلى جانب تعرضهن لسوء المعاملة"، مضيفا أن الأقارب هم في الغالب يتقدمون بالشكوى ضد بعض الآباء الذين يسيئون تربية أبنائهم رغم أن معظم الشكاوى المجهولة أكثر من المعلنة.

وتمنى أن يكون هناك قوانين رادعة كالدول المتحضرة في حالة أجحف الآباء في أبنائهم بحيث يتم تعذريهم أو توبيخهم.

وبخصوص أكثر المشاكل التي تأتي للشرطة ضد الأهالي أشار إلى أن الإجحاف بالتربية والإكراه على العمل تحت ظروف قاسية في الخارج،راويا إحدى الحالات التي مرت عليهم حينما تم القبض على طفل يسرق واحضر إلى قسم الشرطة وقال :"والدي هو من يرسلني وإخواني للسرقة لأنه عاطل عن العمل ويتعاطى المخدرات".

حالة هستيرية

وحينما يهم الشاب العشريني أمجد.ع من مخيم خان يونس بالكلام تصيبه التأتأة إلى جانب رعشة بعيناه وذلك نتيجة الضرب المبرح من قبل والده الذي كان يمتلك خرطوما بلاستيكيا رفيعا أعده كالسيف له مقبض، وعندما يخطئ أحد أبنائه يضربهم من باب التربية.

ذالك الشاب حينما كان عمره 16 عاما دفع أخيه الصغير أثناء اللعب حتى نزف وعندما حضر والده ترك ابنه ينزف ، متوجها إلى أمجد ساحبا إياه إلى الشارع ليضربه أمام الناس ضربا مبرحا على رأسه وظهره فكل قطعة من جسده نالت نصيبها .

ومنذ ذلك الوقت أصيب الفتى بحالة هستيرية جعلته يعتزل الناس ويخشى الاقتراب منهم ولجأ إلى التدخين وجهاز الكمبيوتر الذي أصبح عالمه الخاص.

من جهته قال د.داود حلس الأخصائي التربوي :"الضرب لا يمكن أن يكون نوع من أنواع التأديب إلا أن يسبقه الإرشاد والتوجيه والتعليم ،والعقاب لليس من الضروري أن يكون بدني ومبرح"،رافضا تربية الأبناء بالعصا لأنها أسلوب الشخص الضعيف .

واعتبر أن التوجيه والإرشاد لابد أن يكون قبل التعذير لأنه في حال كان احد الوالدين يضرب أبناءه وهو بثورة عصبية سيحدث مالا يحمد عقباه ،داعيا إلى أن يكون آخر العقاب الضرب لكن بشروط.

وعن مدى تحقيق ما يسعى إليه الوالدان لإصلاح أبنائهم بالضرب أوضح حلس أن الأبناء لن يتحسنوا نتيجة للعملية العكسية التي تخلق شخصية أبناء معاندين وانطوائيين ،مؤكدا على أن الأبناء بحاجة للعطف والحنان باعتباره من أنواع التربية السليمة،إلى جانب تعزيزهم بكلمات الشكر أو التقبيل.

وطالب الأهالي بضرورة مراقبة أبنائهم ومتابعتهم واصطحابهم معهم ليتعلموا من المواقف المختلفة ويتجنبوا الوقوع بالأخطاء لأن التربية تأديب ثم إدخال الأبناء في مواقف.

عاجزة ومرتعشة

في حين ذكر د. درداح الشاعر أستاذ علم النفس الاجتماعي أن العلاقات الأبوية هي الأكثر نقاوة وطهرا إلا أن هناك الكثير من الأهالي لا يعرفون مسئولياتهم التربوية تجاه أبنائهم لاسيما حينما يبدءون بتوبيخهم وضربهم والسخط عليهم أمام الآخرين، منوها إلى أن تلك السلوكيات لها انعكاسات خطيرة على شخصية الطفل بحيث يصبح عاجزا وعدوانيا ويشعر بالدونية مقارنة بزملائه.

وأكد أن عبارات اللوم تخلق شخصية عاجزة ومرتعشة غير قادرة على التكيف مع الحياة، مشيرا إلى أن هناك الكثير من العادات السيئة المتأصلة بمجتمعنا كالعنف اللفظي أو الكلامي إلى جانب المادي حينما يحرم أحد الوالدين أبنائم من تلبية احتياجاتهم .

وأوضح الشاعر أن وجود البعض من الأهالي الذين لا يراعون مشاعر أبنائهم أمام الآخرين مما يشعرهم بالدونية والحقارة،لافتا إلى أن الطفل المعاقب سيكون أبا معاقبا في المستقبل.

ودعا أستاذ علم النفس الاجتماعي أولياء الأمور إلى العمل على خلق شخصية متزنة لأبنائهم فـ"كما تدين تدان" فهم في حال أحسنوا تربيتهم سيعود ذلك بالنفع عليهم وبالتالي سيكون مستقبلهم كريما ،معتبرا أن الطفل المعاقب أب معاقب في المستقبل.

بقصد التأديب

في حين ذكر الدكتور ماهر السوسي أستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية أن الضرب بالإسلام لا يكون إلا بقصد التأديب باعتباره نوع من أنواع العقوبة التي تتوجب عند ارتكاب معصية أو سلوك سلبي يحتاج للتأديب.

ولفت إلى أن الضرب حينما يباح يكون بشروط بحيث لا يكون فيه تشويه أو تغيير لخلق الإنسان لان ذلك يعد معصية من عمل الشيطان لما فيه من إذلال لكرامة الإنسان.

وفيما يتعلق بأساليب التربية في الإسلام لفت أستاذ الشريعة إلى مجموعة لابد من أن يوصى بها المربي كالقدوة الحسنة وهي نوع من أساليب التربية إلى جانب العادات الحسنة وكذلك الترهيب والترغيب،مبينا أن تلك التصرفات نابعة من إتباع منظومة المفاهيم ووسائل التربية التي لابد أن تتناسب مع الشخص.

وفيما يختص بحالات القتل التي يكون الأهالي سببا فيها دون قصد اعتبر السوسي أن القتل في الإسلام حرام على حد سواء ولا يستثني أحدا من العقاب ،بالإضافة إلى أن نوعية العقوبة تتحدد حسب القصد من الجريمة"،مدللا على ذلك بالآية القرآنية" ولا تقتلوا النفس التي حرمها الله إلا بالحق ".

وفي ختام حديثه قال:"الإنسان لا يحب الإهانة أمام الآخرين ويكره أن يعتدي أحد على كرامته باعتبار ذلك تصرف غير مرغوب فيه".

ويبقى الأبناء المعنفين ينتظرون بعين الشفقة لحظة عطف ينعمون بها من قبل ذويهم كباقي أقرانهم،بالإضافة إلى رغبتهم في الخروج من عالمهم المنعزل عن الآخرين لينطلقوا نحو حياة انعم .

البث المباشر