"التطبيع" يهوي بأولوية القضية عن سلّم الاهتمامات العربية

ارشيفية
ارشيفية

الرسالة- محمد عطا الله

بثمن بخس، باتت تهرول دول عربية وخليجية نحو الدخول إلى بيت الطاعة الأمريكي لكسب الرضى، من خلال تطبيع علاقاتها مع ما يسمى بـ(إسرائيل) في سابقة هي الأخطر طوال فترة الصراع.
ولعل التحاق عاصمة "اللاءات الثلاثة" الخرطوم التي شهدت عقد القمة العربية الرابعة لجامعة الدول العربية عقب انتهاء حرب 1967، وأعلنت فيها "لا للاعتراف بـ(إسرائيل)، ولا للتطبيع معها، ولا للتفاوض" تعني أن جدار الحماية العربي للقضية الفلسطينية يسقط شيئا فشيئا وتسقط معه العبارة الشهيرة التي طالما رددها الفلسطيني "بلاد العُرب أوطاني".
ويعكس التحول العربي التاريخي في المواقف اتجاه القضية الفلسطينية، حالة التردي وتراجع الدعم والمناصرة الكبيرة للقضية التي لطالما كان الحضن العربي يمثل ملجأ القوة لها في مقاومة الاحتلال على مدار العقود الماضية.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلن قبل يومين عن موافقة السودان على تطبيع علاقتها مع (إسرائيل) في شتى المجالات، والتعاون السياسي والأمني والاقتصادي، مقابل رفع اسمها من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
ويأتي هذا الإعلان بعد أسابيع من توقيع كل من الإمارات والبحرين على اتفاقات تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، وبذلك تكون السودان الدولة الخامسة التي تلحق بركب التطبيع.
ما سبق يعني أن المبادرة العربية للسلام التي أقرتها الجامعة العربية عام 2002 في بيروت وجاءت بإجماع عربي ينص على أنه لا سلام ولا تطبيع مع (إسرائيل) قبل إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، ذهبت أدراج الرياح وأصبح الثمن البخس فقط "السلام مقابل السلام".
كل ذلك يعني أن القضية الفلسطينية لم تعد على سلّم أولوية بعض الدول العربية التي أصبحت تقدم القربان للإدارة الأمريكية بلا ثمن من خلال الهرولة نحو تطبيع العلاقة مع الاحتلال مقابل المصالح الاقتصادية والحفاظ على البقاء.
التسابق العربي نحو التطبيع يعني أن المناصرة العربية للقضية الفلسطينية ستتراجع إلى أدنى المستويات، وهو بمثابة ضوء أخضر للاحتلال الإسرائيلي للإيغال بانتهاكاته بحق القدس والمقدسات وسرقة الأراضي الفلسطينية والامعان في جرائمه بحق الفلسطينيين. 


مرحلة الانهيار


ويرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن ما يجري يمكن وصفه بأنه مرحلة الانهيار العربي والهيمنة الأمريكية و(الإسرائيلية) على تلك الدول، لا سيما أن تطبيع السودان يعني اكمال هيمنة (إسرائيل) على القرن الافريقي وأمن البحر الأحمر.
ويوضح عوكل في حديثه لـ"الرسالة" أن هذا التطبيع لا يحمل مكاسب اقتصادية بقدر ما أنه يأتي استكمالا للهيمنة على مياه نهر النيل وإعطاء السودان الفتات مقابل تمكين (إسرائيلي) أمريكي استراتيجي واسع في البلدان العربية.
ويؤكد أنه ينعكس بشكل خطير على القضية الفلسطينية خاصة وأن الحديث يدور عن دول أخرى تتجهز للتطبيع، مما يجعل رصيد القضية وعمقها فقط لدى المجتمعات والشعوب العربية وليس الأنظمة.
ويشير الكاتب عوكل إلى ضرورة ترتيب الفلسطينيين لأوراقهم وإعادة صياغة نظام فلسطيني لإعادة دور القضية على الصعيد الدولي والعربي من خلال استعادة الوحدة الوطنية وإعادة اللُحمة وإنهاء كافة الخلافات السياسية.


القادم أخطر


ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. حسام الدجني أن قطار التطبيع يسير بسرعة ولم يبقَ سوى بضعة أيام لوصول القطار لمحطته النهائية، فاليوم لحق السودان بالبحرين والإمارات، ويفصلنا عن موعد الانتخابات الأمريكية أقل من أسبوعين، وسيكون ترامب أكثر حرصًا على توظيف هذا الملف في خدمة توجهاته الانتخابية وكسب أصوات اليمين المسيحي واللوبي اليهودي.
ويبين الدجني في مقال له أن القادم بعد التطبيع أخطر لاحتمال حضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمراسم توقيع اتفاق التطبيع السوداني (الإسرائيلي)، فالعين على المملكة العربية السعودية لما لها من مكانة ورمزية دينية لجموع المسلمين على هذه المعمورة.
ويلفت إلى أن التطبيع مع السودان مختلف كثيرًا لـ(إسرائيل) عن التطبيع مع غيرها من الدول، ولهذا وصفته بالتاريخي، فهي الدولة التي احتضنت قمة اللاءات الثلاثة بعد هزيمة حزيران 1967م، واحتضنت منظمة التحرير وبعدها حركة المقاومة الإسلامية حماس وسمحت بأن تكون أراضيها ممرًّا للسلاح الذي يصل عبر ميناء بور سودان على البحر الأحمر، وأن تحتضن كوادر الحركة وعناصرها وتفتح لهم جامعاتها، وتعاملهم كالمواطنين السودانيين، كل ذلك في نظر (إسرائيل) سيتوقف في ظل الحكومة الجديدة التي وقعت اتفاق التطبيع.

البث المباشر