عادت ريما لعادتها القديمة.. مثل فلسطيني تردد على مسامع الجمهور مؤخرا بعد عودة السلطة طواعيةً إلى أحضان الاحتلال (الإسرائيلي)، بإلغاء قرار قطع العلاقات معه، لتطال ارتدادات هذا القرار الدبلوماسية الفلسطينية الضعيفة في مواجهة الاحتلال، خصوصا في المسار القانوني.
وفي تفاصيل المشهد، يرى الكثيرون من المتابعين للشأن الحقوقي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، أن السلطة ستدوس على الملفات التي قدمت لمحكمة الجنايات الدولية، أو التي من المقرر تقديمها في وقت لاحق، في مقابل عودة التنسيق والعلاقات الآن، والجلوس لطاولة المفاوضات مرة أخرى في وقت لاحق.
وبرغم الإجماع على ضعف الدبلوماسية الفلسطينية في مواجهة المحتل، إلا أن "ريحة البر ولا عدمه" وفق مراقبين، في حين أن السلطة تستخدم أوراق تدويل الصراع مع المحتل، كأسلوب ضغط على الاحتلال لتحقيق مكاسب خاصة على حساب الحق الفلسطيني.
وتنتظر في درج السلطة ملفات كثيرة يمكن تقديمها للمحاكم الدولية ضد الاحتلال وقادته، لما ارتكبوه من جرائم ترتقي لجرائم حرب، طيلة سنوات الصراع مع المحتل، وهذا الأمر يقلق الاحتلال كثيرًا ويمكن أن يشكل خطرا حقيقيا على شريحة واسعة من قادته، لولا إيمان المحتل بضعف السلطة وعدم تجرؤها على فعل ذلك.
وفي التعقيب على ذلك، يرى رئيس اللجنة القانونية في الهيئة الوطنية العليا صلاح عبد العاطي، أن كل وعود السلطة بتقديم قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ستذهب أدراج الرياح في ظل عودة العلاقات مع الاحتلال.
وأوضح عبد العاطي في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن السلطة من الناحية العملية لم تقدم أوراق أي قضية لمحكمة الجنايات الدولية سوى المتعلقة بانتهاكات الاحتلال في الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة، كمرحلة أولى، على أن تقدم قضايا الحرب على غزة والحصار وأوضاع الأسرى في سجون الاحتلال في مرحلة لاحقة.
وبيّن أن القضية المرفوعة بخصوص الاستيطان، وكذلك القضايا الأخرى، يبدو أنها ستجمد حتى إشعار آخر لإعطاء فرصة جديدة للاحتلال، الذي لا يزال مستمرا في انتهاكاته بحق الفلسطينيين، في حين تتأمل السلطة الجلوس على طاولة المفاوضات مجددا، في ظل تغير الإدارة الأمريكية.
وأشار عبد العاطي إلى أن الدبلوماسية الفلسطينية ستشهد تراجعا ليس على صعيد المحاكم فحسب، بل على صعيد طلب عقد مؤتمر دولي للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف، أو تبني حركة المقاطعة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكد أننا أصبحنا أمام ضعف في قدرة السلطة على الإيفاء بتعهداتها لضحايا الانتهاكات الإسرائيلية من الشعب الفلسطيني، خصوصا بتجاهلها تفعيل مبدأ الولاية القضائية في القضاء الوطني الفلسطيني لملاحقة قادة الاحتلال، ما يعطي الفرص للاحتلال لتثبيت سياسة الأمر الواقع.
ويشار إلى أن هناك مطالبات فلسطينية كثيرة تدعو السلطة إلى تحريك القضايا أمام محكمة الجنايات الدولية في أسرع وقت، ليقدم قادة الاحتلال للمحاكمة ونيل العقاب على ما اقترفوه بحق الفلسطينيين، إلا أن السلطة تضرب عرض الحائط بكل هذه المطالبات.
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن أنه لا يتوقع من السلطة أن ترفع سقف المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية بأشكالها المختلفة؛ لأنها لم تفعل ذلك في وقت التصعيد مع الاحتلال فكيف الحال مع عودة العلاقات والتوجه للمفاوضات.
وقال محيسن في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن السلطة عودتنا على التقصير في ملاحقة الاحتلال في المحاكم الدولية، والمؤسسات التي تقف في وجه الاحتلال في أمريكا وأوروبا، وبالتالي فإنها ستكون أضعف مما كانت عليه في حال الاستمرار في العلاقات مع الاحتلال.
وأضاف: "السلطة لن تجرؤ على رفع قضايا في المحاكم الدولية كبادرة حسن نية من طرفها أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، لا سيما أنها قدمت ولا تزال مبادرات في سبيل عودة المفاوضات برعاية أمريكية تقودها إدارة جو بايدن، بعد سنوات من إدارة ترامب التي قاطعتها السلطة نتيجة مواقفها وقراراتها ضد القضية الفلسطينية.
ويشار إلى أن السلطة انضمت إلى ميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنائية الدولية في شهر ابريل من عام 2015م، وقررت رفع ثلاثة ملفات وهي "الاستيطان والأسرى والحرب على غزة" للمحكمة إلا أنها لم ترفع سوى ملف الاستيطان منذ ذلك العام.