باحات الأقصى بلا حلوى منذ أسبوع، وقطط الأقصى المرابطة مع أبو هريرة واقفة في الزاوية لعل الشيخ الصديق، يأتي من البوابة المفتوحة منذ أسابيع والتي تنتظر شوقا له، منذ تأكدت اصابته بفايروس كورونا، ولكنه لم يأت.
"كل من يلاقيني في الطريق أعرفه أو لا أعرفه، أعطيه قطعة من حلوى، وأطلب منه الصلاة على النبي"، يلاقي المارة، والجالسين تحت أشجار الأقصى، والواقفين على الأسوار، يخرج حلواه ليوزعها من كيسه الخفيف، فبات أيقونة توزع السكر في أروقة الأقصى، وذلك أبو هريرة، صديق القطط المسبحات بحمد الله كأصحابها في الباحات.
اسمه غسان يونس، "أبو أيمن" الذي قال يوما لمصورين "أنا أحب تشجيع طلاب العلم في مصاطب العلم في الأقصى، أناديهم من بعيد، وخاصة الأطفال، أشجعهم على المجيء كل يوم بما أحضرته لهم من حلوى وبالونات، وألعاب، بما تيسر لي، ليظلوا مرابطين، أمازحهم، أعلمهم محبة الله ومحبة الأقصى، وأنادي بصوتي العالي: "من يحب الأقصى؟" فيصرخون بصوت واحد "أنا".
وتلك الأنا في محبة الأقصى هي أجمل هدية يمكن أن يقدمها الأطفال لأبو أيمن، فيعطيهم ألعابا وحلوى ويقول: "هذه لرجال المستقبل، من سيفتحون بيت المقدس إن شاء الله".
يقول الشيخ رضوان عمرو أحد الموظفين في الأقصى والذي يتعرض للإبعاد عن الأقصى بين الوقت والآخر راثيا الشيخ أبو أيمن: "شيخ المرابطين في الأقصى، وأبو هريرات الأقصى، وعمر مختار الأقصى، كان يشد من عزائم المرابطين والمبعدين طوال سنوات، وقبل عدة أسابيع، صلى آخر جمعة له في الأقصى، ورآني مبعدا حزينا خارج الأبواب، فأوصاني بالثبات، وبشرني بحتمية العودة للأقصى ثم غادر مسرعا إلى الداخل المحتل، بعدها بأيام قليلة أعلن اصابته بفايروس كورونا، ثم توفاه الله.
أبو أيمن ليس جارا للأقصى، وإنما هو من سكان الداخل المحتل، ولكنها هبة من الله أن يتعلق قلبه بمسجده المبارك، فأصبح مرابطا رغم مسافة يقطعها كل يوم تأخذ من وقته ساعة ونصف حتى يصل الى الأقصى.
هنادي حلواني الناشطة المقدسية عبرت عن حزنها لرحيل أبو أيمن قائلة: "الأقصى يفقد اليوم مرابطاً جديداً! العم أبو أيمن "أبو هريرات الأقصى" أفضى إلى ما قدّم وانتقل إلى رحمة الله وضيافته.
كان حريصاً على الرباط في الأقصى رغم قدومه من قرية بعيدة هي قرية عارة في الداخل المحتل. كان رحمه الله عطوفاً يكرم الصغار والكبار، ولا ينسى قطط الأقصى وطيوره من حنانه فيطعمهم.
لم يكن تعلق الشيخ أبو أيمن في الأقصى بأعمدته وأطفاله وقططه تعلقا طبيعيا، وإنما هبة وهبها الله له، يتحدى بها عنجهية الاحتلال ويسير لساعة ونصف في الحافلة ليطعم القطط ويتأمل ويصلي وكأن قصة عشق ربطته بتلك البقعة للأبد.
ولقد كان يرى دوما أن من واجبه أن يكرم كل مصل وكل زائر للمسجد ويرى في ذلك مقاومة هي كل ما استطاع تقديمه وكان يردد ممازحا: "قد آتي يوما واتفاجأ أن جنود الاحتلال أبعدوا القطط أيضا عن الأقصى".
اليوم رحل عاشق الأقصى، افتقده الأطفال، والهررة، والأعمدة القديمة، وظل مكانه فارغا موجعا للأبد.