تعكس إجراءات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والقرارات بقوانين التي اتخذها مؤخرا ضد القضاء وعدد من القضاة حالة الإصرار على التفرد والدفع بتشديد سيطرة السلطة التنفيذية على مفاصل السلطة القضائية في مخالفة صارخة للأعراف والقوانين الدستورية.
يبدو أن عباس يحاول من خلال قرارته الأخيرة حسم العديد من القضايا المركزية، لا سيما في ظل التوجه لإجراء الانتخابات العامة، ومحاولة استباق النتائج بإجراءات تضمن له تحقيق مبتغاه وفعل ما يشاء وحسم النتيجة مبكرا.
وأصدر رئيس السلطة عباس في 11 يناير/ كانون ثاني الجاري ثلاثة قرارات بقوانين "تعنى بتنظيم وإعادة تشكيل السلطة القضائية".
وشملت القرارات، القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والقرار بقانون رقم (39) لسنة 2020 بشأن تشكيل المحاكم النظامية، والقرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية.
وبعد يومين، أصدر الرئيس قرارًا بتعيين القاضي عيسى أبو شرار رئيسًا للمحكمة العليا/ محكمة النقص، رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى، بالإضافة إلى إحالة عشرات القضاة للتقاعد المبكر وإجراء تغييرات وتعيينات مختلفة لآخرين جُدد.
سيطرة وتفرد
ووفق خبراء؛ فإن السلطة التنفيذية باتت تمسك بجميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ولاسيما قرار الرئيس الصادر في تموز/ يوليو 2019م، حل السلطة القضائية، وتشكيل مجلس قضاءٍ أعلى انتقالي، وصولا للقرار بقانون ٣٩، ٤٠، ٤١ لسنه ٢٠٢٠، والمتعلق بتشكيل المحاكم النظامية، وتعديل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة ٢٠٠٢، وإنشاء المحاكم الإدارية، والذي يُعد وفق كثيرين شهادة وفاة للسلطة القضائية.
ويؤكد الباحث القانوني والحقوقي عصام عابدين، أن القرارات الأخيرة التي أصدرها محمود عباس أطاحت بشكل كامل بالسلطة القضائية وجعلتها رهينة للسلطة التنفيذية
ويوضح عابدين في لقاء إلكتروني نظمته مؤسسة الرسالة حول "المسار القانوني وأثره على الانتخابات: أن "الانتخابات ستجري تحت مقصلة القضاء، والسلطة التنفيذية أطاحت بالسلطة التشريعية والقضائية"، وفق تعبيره.
وأضاف: "إذا حصلت الانتخابات وافرزت مجلس تشريعي منتخب فإن هذا المجلس سيكون بين فكي كماشة السلطة التنفيذية والقضائية".
وأوضح عابدين أن السلطة التنفيذية تستطيع عبر الغاء دور التشريعي الحصول على قرارات قضائية، خاصة وأن القضاء مفصل على مقاس هذه السلطة، بحسب قوله.
ويشدد على أن "القضاء يستطيع يحاول الالتفاف على انتخاب أي سلطة تشريعية منتخبة"، مبينا أّن محكمة القضايا الانتخابية او القضاء الانتخابي يشكل بكامل قضاته درجة اول وعليا من الرئيس، وهذا يعني أنها لن تكون مستقلة.
وأكمل يقول: " لا استبعد أن يحل القضاء المجلس التشريعي ببيان ولأول مرة يحل البرلمان بنص تفسيري".
ونبه عابدين إلى "نزاهة العميلة الانتخابية مرتبطة بنزاهة القضاء"، مكملا: "مسار العملية الانتخابية تحت مقصلة القضاء ولو شكّل برلمان سيكون هشًا وضعيفًا يخضع للسلطة التنفيذية، وهي اجهاض لأي عملية انتخابية ولمبدأ سيادة القانون".
وأكدّ أن المشكلة لم تكن بقانون السلطة القضائية، بل بعدم احترام هذا القانون، وفي كل مرة يعين مجلس القضاء الأعلى بدون قانون.
ولفت عابدين إلى وجود محاولات عديدة جرت لتعديل قانون السلطة والنتيجة كان خمسة دفعات من القضاة أحيلوا للتقاعد بطرق مختلفة، بدون حق دفاع ولمجرد اعتراضهم على المجازر التي تجري في القضاء.
وتابع: "نحن أمام انهيار في القضاء ومجزرة يقودها كل من رئيس المجلس الأعلى عيسى أبو شرار ومستشار الرئيس في غرف سوداء لأهداف خاصة برئيس المجلس الأعلى ومستشار الرئيس".
تجريد القضاة
ويؤكد نقيب المحامين جواد عبيدات أن هذه القرارات التي اتخذها رئيس السلطة جرت "في غرف مظلمة لتعديل قانون السلطة القضائية وإصدار قرارات تمس مهنة القضاء والمحاماة، وأدت إلى تجريد القضاة من سلطتهم وحولتهم إلى موظفين".
ويوضح عبيدات أن هذه التعديلات تخالف القانون الأساسي الفلسطيني، كما أن تدخل السلطة التنفيذية داس على قانون السلطة القضائية الذي كان من أفضل القوانين في المنطقة والعالم، وله القدرة على إصلاح القضاء وتحقيق العدالة وحماية والحريات للمواطن الفلسطيني.
ويشير إلى أنه على خلفية الأزمة، أوقف الاتحاد الأوروبي مساعداته الموجهة لقطاع العدالة الفلسطيني، بسبب ما وصفه "بالتجاوزات في السلطة القضائية والسطو على قانونها".