رغم أن قطاع غزة بقعة جغرافية صغيرة محاصرة، إلا أن أي حدث يدور فيها يلفت أنظار العالم إليها كما جرى في المعركة العسكرية الأخيرة التي سطرت انتصارا حقيقيا للمقاومة والشعب الغزي نصرة للقدس والاعتداءات التي تجري في حي الشيخ جراح.
ومع أن غزة محاصرة، ويمنع الاحتلال الإسرائيلي في الأحداث العسكرية دخول الصحفيين الأجانب لعدم كشف مجازره العنصرية ضد المدنيين، إلا أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي فضحوه بالصور والمحتوى الذي لامس عقول المتابعين وعاشوا اللحظات أولا بأول فكانت مشاهد القتل والتدمير موثقة.
ولعب نشطاء التواصل الاجتماعي وخاصة جيل التكتوك والانستغرام دورا مهما في نقل الاحداث عبر البث المباشر، مما أكد الرواية الفلسطينية للجمهور في الخارج، وكشف ما تمارسه (إسرائيل) من جرائم.
جيل التكتوك من الشباب الصغار، كان يتهمهم البعض أنهم فارغي العقل، وكل ما يهمهم استعراض حياتهم اليومية قبل الحرب، والأزياء التي يرتدونها والمقالب التي يؤدونها، لكن ما حدث وقت المعركة العسكرية أثبت العكس فاستغلوا عدد المتابعين لديهم من مختلف أنحاء العالم وعرضوا حياة يومية بسيطة ينسفها الاحتلال بلمح البصر.
وبحسب إحصائية لمركز صدى سوشال المتخصص في المحتوى الفلسطيني فإن أكثر من 55% من سكان العالم شاهدوا فيديوهات فلسطينية على تطبيق تيك توك خلال أحداث العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
ومع أن الاحتلال في أكثر من مرة حاول تقييد حسابات مؤثرين فلسطينيين، إلا أن المحتوى الذي كان يقدم عبر الكلمة والصورة والكاريكاتير وصل لمشاهير الفن والرياضة والسياسة في العالم فتضامنوا مع غزة بمختلف لغاتهم وتفاعلوا مع الحدث بصورة كبيرة فضحت (إسرائيل) وهزمتها على الأرض ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتجدر الإشارة إلى وجود مراكز إسرائيلية متخصصة لديها باحثون يتابعون كل صغيرة وكبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وبشكل مستمر يطالبون إدارات تلك المنصات فرض قيود صارمة على المحتوى الفلسطيني لاسيما الذي يفضح جرائم الاحتلال، فتستجيب تلك المنصات كونها تميل للطرف الأقوى لما يحقق لها مصالحها الربحية بالدرجة الأولى.
وتلاحق تلك المراكز المحتوى الفلسطيني إما بحذف المنشورات أو إغلاق حسابات لفترة محددة، أو إغلاقها نهائيا بذريعة مخالفتها لمعايير النشر، حيث رصد مركز صدى سوشال 400 انتهاك منذ بداية العام، ما بين حذف هشتاقات وتقييد الوصول للصفحات، وكذلك وقف التفاعل مع منشورات التضامن مع الرواية الفلسطينية.
وبحسب صدى سوشال، فإن خوارزميات الفيسبوك كانت تعمل على حذف كلمات معينة مثل "شهيد،
الفلسطينية، حماس، الأقصى، حي الشيخ جراح، وكتائب القسام"، لكن المدونين تمكنوا من تجاوز ذلك من خلال استخدام كلمات دون نقاط، أو وضع أحرف انجليزية بين الكلمة وفواصل ونقاط.
****تريند عالمي
وكانت شركة "آبل" رفضت طلبًا من "فيسبوك" لإزالة التعليقات السلبية في متجر التطبيقات بعد أن نسق فلسطينيون ومتضامنون مع فلسطين حملة لخفض تقييمات التطبيق بسبب الرقابة والتضييق على المحتوى الفلسطيني.
وعليه أصبح تقييم تطبيق "فيسبوك" على متجر "آبل" 1.3 من تصنيف الخمس نجوم مقارنة بتصنيف أكثر من أربع نجوم الأسبوع الماضي.
وزاد عدد التقييمات بنجمة واحدة خلال الفترة الماضية، وتم وضع تعليقات على التقييم بـ free Palestine و Gazaunderattack .
وقال مهندس برمجيات كبير في شركة فيسبوك إن “ثقة المستخدم انخفضت بشكل كبير مع التصعيد الأخير بين "إسرائيل" وفلسطين”، مضيفا “مستخدمونا مستاؤون من طريقة تعاملنا مع الموقف. ونتيجة لذلك، بدأ مستخدمونا في الاحتجاج من خلال ترك تقييمات بنجمة واحدة.”
وأظهرت رسالة داخلية، أن الشركة تشعر بقلق بالغ إزاء الجهود المنسقة لخفض التقييم، وصنفت المشكلة على أنها SEV1، والتي تعني " severity 1" أو "خطورة من الدرجة الأولى".
وفي ذات السياق يقول سائد حسونة الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي: في الآونة الأخيرة تغيرت المعالم الرواية الاسرائيلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الجيل الجديد من الأشبال الذي أساء وجه الاحتلال عبر منصات صنعت للهو واللعب وقام بتحويلها نصرة لقضيته".
وفيما يتعلق بحجم المشاركة الرقمية في التصعيد الأخير على غزة يوضح حسونة "للرسالة نت" أن الجيل الجديد ابتدع أسلوبا للمحتوى كشف زيف رواية الاحتلال ويمكن نشره على منصات لا تقيد النشر مثل التيك توك، واصفا ما يحدث في الأسابيع الأخيرة بهبة الاعلام الاجتماعي حيث المحتوى الذي ينقل الحدث مباشرة.
وعن أسباب تفاعل العالم مع أحداث غزة والقدس الأخيرة ذكر حسونة أن النشطاء غيروا من أساليبهم وأدواتهم واختاروا المنصة المناسبة لدعم قضيتهم العادلة، بالإضافة إلى محتوى البث المباشر لنقل الأحداث وتوضيح ما يجري على أرض الواقع.
ووفق متابعته فإن تعاطف المؤثرين من المشاهير جعل أحداث غزة تريند عالمي، سهل من جعل الأحداث على متصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الاحترافية في نقل المشاهد المؤثرة التي تظهر المعاناة ساهمت في الترويج رقميا.
وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي سلاحا مهما في يد الفلسطيني رغم محاصرته رقميا، إلا أنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من القيود والتعقيدات بشأن المحتوى الفلسطيني في ظل وجود استراتيجية إسرائيلية لمحاربة المضمون والرواية الفلسطينية بكل وسائل الإعلام وشبكات التواصل.