لقطة من خمس دقائق لسفير السلطة الفلسطينية في إسبانيا كفاح عودة، كانت كفيلة لبدء حملة تندر حول سفير معين لـ16 عاما في بلد لا يعرف لغتها؟!
اللقطة التي ظهر فيها السفير وهو غير قادر على التحدث بلغة البلد التي يمثل فلسطين بها، لكشف جرائم الاحتلال، أظهرت متحدثا باسم الخارجية (الإسرائيلية) يتحدث اللغة الأسبانية بطلاقة، فيما يطرح سؤال كبير: "ماذا كان يفعل السفير طيلة 16 عاما في بلد لم يعرف بعد الحديث بلغة أهلها؟"
وتفصح كل معركة عسكرية وسياسية عن بون واسع بين أداء دبلوماسية السلطة الفلسطينية وحجم الضرر البالغ على الشعب الفلسطيني، وتبرز حالة الضعف الكبير في الأداء السياسي للدبلوماسية الفلسطينية في الخارج.
في المقابل، نشط رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو في عقد عديد اللقاءات مع ممثلي ومبعوثي الدول إلى جانب زيارات ميدانية نظمتها خارجية الكيان لهم في مناطق عدة داخل الأراضي المحتلة.
وتفتح هذه الجولات الأسئلة مشرعة حول أداء الدبلوماسية الفلسطينية في ضوء المدخلات المالية الكبيرة التي تدفع لموازناتها.
تشكيل السفارات!
بدأت منظمة التحرير الفلسطينية بعد انتزاعها اعتراف تمثيل الشعب الفلسطيني عام 1973 بتعيين ممثلي مكاتبها في مختلف دول العالم وفقا لصيغة ومستوى التمثيل والاعتراف بها من الدول المستضيفة، وقد تم بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 تعيين الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيسا لدولة فلسطين والسيد فاروق القدومي وزيرا لخارجيتها.
وبعد إبرام اتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل بين المنظمة و(إسرائيل) ونشوء السلطة الوطنية الفلسطينية وانتخاب المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996، اقر المجلس التشريعي قانون السلك الدبلوماسي رقم (13) لسنة 2005، وأصدر مجلس الوزراء قرارا رقم (374) لسنة 2005 باللائحة التنفيذية للقانون.
ووفقا لأحكام المادة (5) من قانون السلك الدبلوماسي يصنف العاملون في وزارة الخارجية الى نوعين: الأول، العاملون في السلك الدبلوماسي ويخضعون لأحكام قانون السلك الدبلوماسي، أمّا الثاني فهم الموظفون الإداريون ويخضعون لأحكام قانون الخدمة المدنية، على أن يحدد النظام المعايير التي يتم بموجبها تصنيف العاملين بوزارة الشئون الخارجية كدبلوماسيين أو إداريين.
**شبهات فساد
في تحقيق سابق لـ"الرسالة" كشف عن حجم فساد كبير يضرب أطنابه في بنية وبيئة العمل الدبلوماسي، من ناحية التوظيف أولا ثم إدارة السفارات.
وأكدّ الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة " أمان"، في تقرير صدر عنه عام 2019، وجود ضعف في الشفافية والرقابة على عمليات التعيين والترقية في الوظائف الدبلوماسية؛ الأمر الذي ساهم في إضعاف جانب الشفافية والمساءلة على عمليات التعيين والترقية في السلك الدبلوماسي، وسمح بوجود ثغرات واسعة تم استخدامها في تعيينات وترقيات لأسباب شخصية أو سياسية أو محسوبية، أو ربما لحل المشاكل المالية لبعض الأفراد.
وقال عزمي شعيبي مستشار مجلس الإدارة لائتلاف أمان، إن هناك تأثيرا للعلاقات الشخصية على التعيينات، وضعف الالتزام بالقانون الناظم لها، مشيرا إلى أن ممارسة التعيين والترقية للسفراء تتم خارج مؤسسات الإشراف والرقابة التابعة للسلطة.
كما أن هناك غياب للمعايير التي يجري على أساسها تصنيف موظفي وزارة الخارجية الى إداريين أو دبلوماسيين، الأمر الذي أتاح المجال لإجراء عملية التصنيف وفقًا لاعتبارات سياسية وشخصية.
وتحظر المادة (36) على موظفي السلك أو أزواجهم حمل جنسية أخرى شريطة أن لا تكون خدمته الدبلوماسية في الدولة التي يحمل جنسيتها أو زوجه، وعلى موظف السلك عند زواجه من أجنبي/ة إبلاغ الوزير.
** فاعلية معدومة
وقد أكدّ الحقوقي صلاح عبد العاطي أنّ السفراء يعبرون عن سياسة فرد، وليس منظمة، مشيرا الى حاجتها لجهات رقابية تدقق عليها في ظل عملية الاقصاء والتهميش والتمييز في التعيينات.
وبيّن عبد العاطي وجود خلل في تفاعل الدبلوماسيين، "فالغالبية غير فاعلين"، في خدمة الجاليات، مشيرا الى وجود شكاوى تتعلق بالمخصصات المالية للسفارات وممارسة السلطة لعملية التمييز في صرف المستحقات من سفارة لأخرى بفعل الولاءات والانتماءات السياسية.
وقد دعا عبد العاطي إلى ضرورة اعادة النظر في أداء وبنية السفارات، والتجديد في الطاقم الدبلوماسي، والبحث عن حصة غزة تحديدا، خاصة في ظل إقصاء وحجب دبلوماسيي غزة عن الخارجية.
وفي إطار تشخيص الأزمة في الدبلوماسية الفلسطينية، أكدّ مصدر دبلوماسي سابق في السلطة، وجودها في طريقة التعيين والادارة، حيث وصف أداء سفارات السلطة بين "العادي والمتردي"، مشيرا الى وجود مسافة كبيرة من الأخطاء والتدابير المغلوطة، سواء في الادارة أو التعيين أو التكليف وحتى في المتابعة.
وقال المصدر لـ"الرسالة نت"، إن أداء السفارات مقارنة بما تكلفه من الخزينة الفلسطينية العامة من مقدرات، دون المستوى، وانتشارها لا يتناسب مع مقدرات فلسطين ووضعها الاقتصادي، مؤكدًا أن عملية التعيين فيها تجاوزت الفصائلية إلى مرحلة الولاء الحصري للتركيبة الأمنية والرئاسة في السلطة، وتأخذ شكل التعيين السياسي، وفق تعبيره.
ونوه إلى ان التعيينات تتم عشوائيا من حيث الخبرة والمهارة، ولكنها تتم بعناية من حيث الولاء السياسي، مشيرا الى وجود انتقائية في أماكن التعيين، فهناك من يتم ارسالهم لأوروبا بغرض الاستجمام والراحة، "فأغلب سفارات أوروبا مليئة بالفتيات"، وفقًا لتعبيره.
وقال إن مدة وجود السفير تزيد عن المدة القانونية التي تسمح له البقاء أربع سنوات، ذلك لعدم اعتراض أغلب سفراء السلطة على سياسات عباس، مشيرا الى أن آليات الاختيار ضيقة ومحدودة جدًا وشخصية لأبعد حد متصلة برئيس السلطة شخصًا.
**منهجية راسخة!
بينما قال محمود العجرمي مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن هناك عملا منهجيا منظما لتغييب دور الدولة، وثمة محاولة من عباس لشطب منظمة التحرير والاكتفاء بالسلطة التي تمثل فلسطينيي الداخل.
وأوضح أنّ سفارات السلطة وصلت الآن لحوالي 150 سفارة تقريبًا، لافتًا إلى أن حركة فتح تدير أكثر من 95% من سفارات السلطة، والبقية هم شخصيات تابعة لفصائل المنظمة ولكنها قريبة جدًا وموالية لفتح.
وبيّن العجرمي أن مئات آلاف الدولارات تصرف من الصندوق القومي الفلسطيني لحساب سفارات وممثليات ومفوضيات السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية لإقامة حفلات "استقبال"، ورواتب كبيرة، ومصروفات مضاعفة.
كما تصرف ملايين الدولارات في سبيل رفاهية مئات الدبلوماسيين الفلسطينيين على شكل راتب مضاعف ومنزل إضافة إلى سيارة ومصروفات دراسة الأبناء وفواتير هواتف نقالة وثابتة، وهي مميزات للدبلوماسي الفلسطيني الواحد فقط، ناهيك عن السفراء المعتمدين، وفقًا للعجرمي.
وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق، الى أن بعض السفارات تحولت إلى بيوت دعارة، مستشهداً باجتماع عقد بينه وبين سفير الصين لدى السلطة الذي أبلغهم باقتحام الشرطة الصينية للسفارة الفلسطينية في بكين لاشتباههم بقضايا أخلاقية وإيدز، وطلب يومها من نبيل شعث عدم إثارة الموضوع حرصاً على سمعة الفلسطينيين.
ويكشف أثناء عمله كمساعد لوزير الخارجية في الحكومة العاشرة، سرقة موظف من سفارة القاهرة لثمن تأشيرات وفيز مجانية من طاقم وزارة الخارجية برئاسة الدكتور محمود الزهار آنذاك، دون أن يتخذ السفير وقتها بحقه أي اجراء، عدا عن توجه وفد من رجال الأعمال في جنوب إفريقيا بشكوى شخصية له وللزهار يومها، ضد السفير هناك الذي اتهموه بالمضاربة في السوق السوداء.
وبين العجرمي أنه عندما توجه بصحبة نبيل شعث إلى سفارة السلطة بكازاخستان وجدها قد تحولت إلى بيت دعارة بحسب شكوى رسمية قدمتها الدولة المضيفة آنذاك، فضلاً عن بيع إحدى سفارات السلطة في جنوب إفريقيا وسرعان ما لملمتها السلطة آنذاك.
** المراجعة المطلوبة!
من جهته، شددّ عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق والخبير في العلاقات الدولية، على ضرورة إجراء مراجعة جذرية على صعيدي "العقيدة والسلوك" الدبلوماسي الفلسطيني.
وطالب السلطة بضرورة التفريق في عملها السياسي بين العدو والصديق في سياستها الخارجية، وعدم خلط الصراع الحزبي الفلسطيني بأدائها، مشيرا الى وجود قصور واختلال شديد في العقيدة السياسية للدبلوماسية التي تتحرك وفقًا لاتفاقات السلام مع الاحتلال.