قائد الطوفان قائد الطوفان

الناجحون ذهبوا لاستلام شهاداتهم ويزن غاب قسرا

الرسالة نت- رشا فرحات

كان من المفترض أن يكون يزن مهندس كمبيوتر، وديمة أخته كانت تريد أن تكون طبيبة أسنان، وميرا أيضا كان لها نفس الحلم وأمير كذلك مثل أخيه لأنه دوما ما كان يريد أن يكون كيزن، كان يريد أن يكون مهندسا.

أحلام الأطفال متشابهة في غزة، وأحلام الطلبة المتفوقين يرتفع سقفها كلما تميزوا أكثر، وقد كان يزن وأخوته متميزين بشهادة أساتذتهم في المدرسة، ورحلوا قبل أن ينتهي العام الدراسي، وقبل أن يستلموا شهادات تفوقهم.

كانوا جميعهم يحملون أحلاما، واليوم في موعد الإعلان عن نتائج عام دراسي طويل للغاية، شهد كورونا وانتهى بأحد عشر يوما من الحرب أخذت طائرات الاحتلال فيها أحلام الكثير من الطلاب المتفوقين.

والد الشهداء يزن وميرا وديمه وأمير أبو العوف، رسم خطة أحلام لهم، واتفق معهم في ليلة سهر وسألهم عن أحلامهم هذه بالتحديد، وسعى في الأرض لأجل تحقيقها، فجاءت الطائرات الإسرائيلية وحددت لهم موعدا مع الموت أخلف كل وعودهم التي قطعوها.

نشرت شهادة يزن بالأمس، حصل على أعلى الدرجات، كان "متميزا"، فكيف لمهندس الكمبيوتر ألا يكون كذلك؟!

صفحة وجهه البيضاء إلى جانب شهادته التي أصدرتها المدرسة رغم علمها باستشهاده، كانت وثيقة تهنئة بفرحة النجاح، وفرحة الشهادة، وعظيم ما ابتلي به الأب الذي بقي وحده على قيد الحياة.

كان ذلك يوم أن جاء العيد، دون تحديد موعده، وكأن العيد لم يعد يأت في غزة، لكنه جاء وسط عدوان وأصوات الصواريخ التي لم يعد يقتنع الأطفال بأنها أصوات مفرقعات وباتوا يعرفون أن أمهاتهم يكذبن عليهم.

 وهكذا وجد رامي أبو العوف نفسه أمام كارثة، حينما قررت زوجته أن تأخذ الأولاد وتذهب إلى منزل والدها لتشعرهم بأن هناك عيد رغم الحرب.

لكن الحرب لا تأتي بالعيد حينما تفاجأ رامي الافرنجي باتصال يقول إن منزل عائلة زوجته قد قصف، فركض إلى أكوام الركام من بين القصف الذي جرف شارع الوحدة كاملا، وجرف معه أربعين شهيدا من عائلات مختلفة جمعهم العيد في منازل متجاورة لعائلات أبو عوف والكولك واشكنتنا، وبدأ باستخراج جثث أطفاله وزوجته جسدا بعد الآخر.

لم يعد ليزن وأخواته أحلام بعد اليوم، ولكن لوالده حلم واحد بأن تصل قضية قصف شارع الوحدة إلى مجلس الأمن، وأن تعمل السلطة بقيادة الرئيس عباس لأجل ذلك، متسائلا عن الجريمة التي فعلتها هذه العائلات الآمنة ليقصفوا وتنهار الحجارة فوق رؤوسهم؟ 

وقد ارتقى في تلك الليلة التي لا ينساها سكان القطاع 41 شهيدا، في ليلة استهدفت بيوت ثلاث عائلات في شارع الوحدة في مدينة غزة تحديدا وكل الطرق المؤدية إليه، حتى أشرقت شمس اليوم الثاني على دمار نصف الحي بأكمله وكأن زلزالا مر على ثلاث عائلات، ظلت صرخات أطفالهم من تحت الأنقاض، وكان بينهم يزن وإخوته.

واليوم ينجح يزن بتقدير متميز، وتنشر صوره الضاحكة، كأنه لم يمت، كأنه يعود الى الحياة لنهنئه بالنجاح قبل أن ينام نومته الأخيرة.

البث المباشر