"السويد تستورد النفايات من دول الجوار".. هذا العنوان في إحدى الصحف أثار لدي الدهشة ووازع البحث عن السبب الذي يدفع دولة إلى شراء قمامة لطالما واجهناها في مجتمعاتنا بالحرق، والتكدّس في كثيرٍ من الأحيان بعد صعوبة التخلص منها.
تفاجأت من حجم الفوائد التي تجنيها السويد ومن على شاكلتها من الدول التي فطنت لهذا الكنز وعملت على تدويره والاستفادة منه، فلكم أن تتخيلوا الأثر على البيئة الذي وفّره تدوير هذه النفايات بدلاً من حرقها.
استخدمت هذه الدول النفايات في توليد الطاقة الكهربائية، وإدخال المواد معادة التصنيع كمنتجات أولية تستخدم في الصناعة مما وفّر كلفة استيراد العديد من المواد.
وساهم اعتماد "تدوير النفايات" في خلق فرص عمل في تلك البلدان مما أدى إلى تقليل البطالة، إلى جانب عدد من الفوائد الأخرى من زيادة الناتج المحلي، ورفع تصنيفها ضمن الدول المحافظة على البيئة.
ومن الجدير بالذكر أن صناعة تدوير المخلفات باتت من أهم الصناعات الواعدة في العالم حيث تستحوذ على 28% من إجمالي الاستثمارات الصناعية في الولايات المتحدة الأميركية و23% في بريطانيا و35% في ألمانيا.
وبالنظر إلى واقع مجتمعاتنا العربية نجد عدم اهتمام كبير لهذه الثروة على أهميتها، فحسب إحصائية صادرة عن جامعة الدول العربية في القاهرة، فإن حجم خسائر الدول العربية الناجم عن تجاهلها إعادة تدوير المخلفات يقدر بـ5 مليارات دولار سنوياً في إشارة واضحة للغفلة عن هذا المصدر المهم.
وعلى صعيد قطاع غزة الذي يقطنه مليونا إنسان ينتج المواطن الواحد ما يزيد عن الكيلو غرام يوميّاً، أي أن غزة تنتج مليوني كيلو غرام نفايات يومياً. هذه النفايات لا يتم فصلها أو تدويرها فكلّها تُخلط مع بعضها وتُرمى في الحاويات.
تحتوي النفايات على موادّ عضويّة تقدر بـ 67 في المئة، و11 في المئة بلاستيك، و12 في المئة أوراق. أمّا البقيّة فهي معادن وزجاج ونفايات أخرى.
إعادة تدوير النفايات بالشكل المطلوب، علاوة على التحسن البيئي الذي سيحدثه، سيساعد في علاج عديد من الأزمات التي يعاني منها القطاع.
فحسب أحد المختصين، يمكن أن توفر النفايات قرابة 40 ميجا واط كهرباء، إذا ما استخدمت في إنتاجها، وعلى صعيد البطالة، تساهم إعادة تدوير النفايات في خلق فرص عمل عديدة، ما من شأنه تخفيض نسبة البطالة في القطاع التي وصلت الى أكثر من 50% بفتح مجالات عمل مختلفة.
أما على صعيد الإنتاج، فاستغلال النفايات من خلال إعادة تدويرها يوفّر المواد الأولية التي تُستخدم في عديد من الإنتاجات ما من شأنه تقليل كلفة المنتج والاستغناء عن استيراد عديد من المواد مرتفعة التكلفة، علاوة على أنه يمكن الاستفادة منها سماداً طبيعياً في الزراعة.
الفوائد الكبيرة السابقة وغيرها بالضرورة ستؤدي إلى كسر حدة الحصار المفروض على القطاع.
ومن الجدير بالذكر أن عديد المبادرات الفردية انطلت سابقاً في غزة تدعو إلى هذا الأمر ونجحت إحداها في تحويل النفايات من الأقمشة والبلاستيك إلى علب هدايا وتحف فنية في سابقة يمكن البناء عليها.
وإذا ما أردنا أن نكون عمليّين أكثر، يمكننا اتباع خطوات مجزأة للوصول في النهاية للمراد، لكن لابد أن نبدأ، فالمجلس الذي شُكّل من أجل إدارة النفايات لا بد أن يتعدى دوره مسألة البحث في كيفية التخلص من القمامة إلى العمل على الاستفادة منها وإعادة تدويرها.
كذلك لا بد للحكومة أن توفّر الدعم لمثل هذه المشاريع خصوصاً في مراحلها الأولى، كما لا بد من البدء بنشر الوعي لأهمية الأمر وفرض نظام ضابط يُطبق على الجميع لأن التعاون المجتمعي أساس نجاح المشروع.
وختاماً لا تحرقوا ثروتكم المكنونة وحافظوا عليها تتقدموا.