قبل عام رقد ماهر الأخرس على سرير المرض مكبلاً في مستشفى هداسا بعد إضرابه عن الطعام لأكثر من مائة يوم؛ رفضاً لاعتقاله الإداري، كانت تلك الزنزانة تتبع للاحتلال، زنزانة نعرفها، وألفناها جميعاً، ببساطة لأن "هذا عدونا" ومن المتوقع أن يفعل العدو ذلك.
واليوم، تحول الواقع إلى زنزانتين في مكانين مختلفين وعلى مبدأ واحد، هو قمع الحريات وتكميم الأفواه، ولزاماً علينا أن نصنف تبعية كل منهما، يجب أن نعرف لمن، ثم علينا أن نسأل، كيف؟ ولماذا؟!
على خلفية النية للاعتصام والاحتجاج والمطالبة بتقديم قتلة نزار بنات للعدالة، اعتُقل الأسير السابق في سجون الاحتلال ماهر الأخرس مع ستة عشر شخصاً من النشطاء والأدباء والمثقفين والصحافيين والشخصيات الاعتبارية، حتى قبل أن تبدأ الوقفة التضامنية وقبل أن تحدد مطالبها.
تسبق السلطة الحدث دائماً للاعتقال، لا تنتظر السبب بل تخلقه، وقبل أن تطالب بحقك أو تتكلم توقف وتعتقل، هذه هي سياسة تكميم الأفواه التي تنهجها مؤخرًا، مستعينة بالضرب والركل والشتم وحتى التحرش بالفتيات المتضامنات.
ووفقاً لإفادة زوجة الأخرس خلال اتصال هاتفي؛ فإن زوجها اعتُقل دون مذكرة من النيابة بعد الاعتداء عليه بالضرب على رأسه بواسطة هراوات، نقل على إثرها إلى مجمع فلسطين الطبي وهو في قسم الطوارئ، ولا زالت تسجل صوت صرخاته وهو يُضرب على الهاتف، لأنها كانت تتكلم معه في نفس اللحظة التي اعتُقل فيها.
خرج ماهر الأخرس بعد يومين من الاعتقال، شخصاً آخر يختلف عن ذلك الذي اعتقل بالأمس، يقول عما حدث له: "أثناء توجهي إلى رام الله للاعتصام على دوار المنارة احتجاجاً على مقتل نزار بنات، وقبل وصولنا إلى المكان بمئتي متر باغتنا رجال بلباس مدني وحاولوا الاعتداء علي وضربي بالقوة".
بين صرخات ماهر الأخرس وهراوات رجال الشرطة الفلسطينية حاول الناس إنقاذه فاعتقل وضرب المزيد، حتى كبار السن اعتقلوا، وبعد اعتقال الأخرس تدهورت حالته الصحية كما يضيف: "فقدت الوعي، وكان بجانبي شيخ كبير في حالة سيئة، بعد تعرضه للضرب أيضاً، ولم أعلم ما حل بي إلا حينما وصلت إلى مركز الشرطة وعرفت أنني أغمي عليّ لأربع ساعات متواصلة".
تصرفات وحشية كما وصفها الأخرس، متابعاً: "هذه السلطة تعمل بأجندة واضحة وأنا آسف أن تواجهنا السلطة باعتقال وضرب أشد مما واجهناه داخل معتقلات الاحتلال".
وعقب تلك الليلة أدان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ما فعلته السلطة التي استخدمت أجهزتها الأمنية لتفريق المتظاهرين بالقوة، وقد كانت المظاهرة سلمية في رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة وفق لما جاء في بيان المركز ورغم ذلك تعرض المتظاهرون للاعتقال والاعتداء بالضرب.
وقال المركز في بيان له: "فرّقت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالقوة تجمعاً سلمياً نظمه الحراك الشعبي وممثلو مؤسسات حقوق الإنسان وسط مدينة رام الله مساء الأحد، واعتقلت 16 شخصاً، معظمهم شخصيات اعتبارية وكتّاب وحقوقيون.
وأوضح أن التجمع السلمي كان للمطالبة بمحاكمة قتلة الناشط نزار بنات، الذي قتله بتاريخ 24 يونيو الماضي أفراد من الأجهزة الأمنية خلال اعتقالهم له في مدينة الخليل.