حرقٌ شديدٌ في العينين، وضيقٌ في الصدر، لم يسقط على إثرها يوسف، لم تسقط قطعة الآيس كريم من يده، ثم كيف نسقط، ونحن اعتدنا الموت وقوفًا!
صورة واحدة قفزت في وجوهنا مساء الجمعة لطفلٍ بيده "بوظة" يحمله رجل إسعاف في محاولة لإنقاذه من قنابل الغاز التي أطلقتها قوات الاحتلال على المواطنين في جبل صبيح ببلدة بيتا جنوب نابلس.
"خفت كتير وانخنقت بس ما وقعت على الأرض"، يصلنا الصوت الرقيق للطفل يوسف داود 13 عامًا، مؤكدًا أنه رغم خوفه من قنبلة غاز سقطت بجواره لكنه لم يفقد الوعي!
حلمٌ واحدٌ!
أكثر من ثلاثة كيلو مترات يعبرها الطفل يوسف داوود 13 عامًا ابن بلدة بيتا مشيًا على قدميه ليصل إلى جبل "صبيح" صباح كل جمعة، هناك حيث دهشة الصغير بفعاليات المقاومة الشعبية، وحلمٌ واحدٌ أخبر "الرسالة" به "بحلم أصير واحد من حراس الجبل"!
يفتخر بهم، يحاول متابعة كل حركة أو فعل لهم، يتأمل ملامح عيونهم التي تظهر فقط من كوفية تغطي وجوههم، يؤكد أنه سيشارك في كل مرة حتى يصبح واحدًا منهم.
"البوظة الي كانت بايدي وزعوها علينا حراس الجبل" يقول يوسف، ثم يكمل "أنا بحبهم، وبحب الجبل".
لا يترك حراس الجبل وسيلة أو سبيلًا لإزعاج المستوطنين وجنود المحتل، الذين أقاموا بؤرة عشوائية في المنطقة، إلا وفعّلوها بغية دفعهم للرحيل عن بيتا وجبل صبيح، يشعلون النيران باستمرار ويضيئون أشعة الليزر، ويحرقون إطارات السيارات "كاوتشوك"، لقد تحولوا إلى أيقونة للعناد!
حلم الطفل يوسف كبر أكثر بعد تعرضه للاختناق بقنبلة غاز، أدرك هذا الصغير أن المحتل همجي حتى في تعامله مع الأطفال الذي لا يملكون قوة أو سلاحًا سوى الإيمان الثابت أنهم أصحاب حق، وأن كل فلسطين لهم.
جرح قديم!
في كل مرة يخرج فيها يوسف على أطراف أصابع قدميه خوفًا من والده أحمد 55 عامًا والذي أكد لنا بأنه كان يرفض توجه طفله للجبل خوفًا عليه من وحشية محتل لا يفرق بين طفل وشاب!
خوف الأب تحول لهاجس بعد أن تعرض ابنه لحادث أدى لكسر في الحوض وجرح في الكبد والطحال، يخبرنا "يوسف بردش عليا".
"طفل الآيس كريم" كان من عشرات المواطنين الذين أصيبوا بحالات اختناق وجروح مختلفة بعد صلاة الجمعة خلال مواجهات اندلعت مع القوات الإسرائيلية على جبل صبيح في قرية بيتا جنوب نابلس.
لم يتفاجأ الأب عندما شاهد صورة ابنه بين يدي رجل إسعاف، قائلًا:" أدرك أنه يغافلني ويذهب للجبل، أحاول منعه خوفًا من جرح سابق لديه، يوسف صغير ولن يتحمل الغاز المسيل للدموع أو قنابل الصوت، كما أخشى عليه من الرصاص المعدني".
جملة واحدة من ذاك الصوت الرقيق، يختم فيها يوسف حديثه "للرسالة" محاولًا خفض صوته وكأنه لا يريد أن يسمعه والده: "بخاف من أبوي يزعل مني، بس أنا بفرح لما أشوف شباب الجبل بدافعوا عنه، راح أروح على الجبل كمان مرة".