"العقاب بالصمت" أداة ابتزاز وإساءة عاطفية قد تؤدي لمخاطر نفسية وخيمة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الرسالة نت- وكالات

النبذ أو العقاب بالصمت (Silent Treatment) هو عقاب نفسي يتم من خلال رفض التواصل اللفظي مع شخص آخر بغرض توصيل رسالة معينة له.

وقد يرفض الأشخاص الذين يستخدمون العقاب بالصمت الاعتراف حتى بوجود الشخص الآخر، ويتعاملون كأنه غير مرئي ولا موجود.

يُستخدم العقاب الصامت في العديد من العلاقات، بما في ذلك علاقات الأم أو الأب مع الأطفال، أو فيما بينهما في علاقتهما الزوجية.

ويُعد هذا النوع من السلوكيات بمثابة ابتزاز عاطفي للشخص المُمارَس ضده العقاب بالصمت، وهو عادة ما يكون وسيلة يستخدمها الشخص للسيطرة على الآخر والتلاعب به والتحكُّم فيه.

الصمت.. بين العقاب والرغبة

العقاب بالصمت، أو رفض الدخول في محادثة مع شخص آخر، هو تكتيك معنوي لفرض السيطرة في العلاقة، وهو سلوك غير صحي بكافة أشكاله.

وهناك فارق كبير بين النبذ والصمت كعقاب، وبين رغبة الشخص في الالتزام بالصمت وقضاء بعض الوقت للتفكير في الأمور لمعالجة المشكلات، ومن ثم التواصل لاحقا بعد أن يهدأ الجميع.

ويوضح موقع "فيري وِل مايند" (Very Well Mind) أن هناك أوقاتا في العلاقات يكون فيها الصمت حتميا وصحيا، بل وحتى مُنتجا. على سبيل المثال، قد يأخذ الزوجان -أو أحدهما- وقتاً مستقطعاً بعد جدال ساخن، من أجل الحصول على بعض التهدئة وتجميع الأفكار.

وما يميز هذا الصمت عن نمط العقاب بالصمت هو أن تلك المهلة تكون واعية ومُتفقا عليها، وهناك افتراض صريح أو ضمني أن الطرفين سيعيدان النظر في الموضوع ومناقشته مرة أخرى لاحقا.

هناك أيضا حالات يكون فيها الشخص الذي يتعرض لأي نوع من أنواع الإساءة صامتا كطريقة منه للدفاع عن نفسه، وذلك لمنع الموقف المؤذي من التفاقُم.

في هذه المواقف، يعرف الضحية أن قول أي شيء -حتى إن كان ما يرغب فيه الطرف الآخر- لن يؤدي إلا إلى تصعيد الموقف.

عندما يتعرض أحد الزوجين خلال خلاف حاد إلى إساءة لفظية مثلا، من العقلاني والصحي تماما وضع حدود وتجنُّب النقاش كليا، لكي يحمي الشخص نفسه من الإساءة والأذى.

لذلك، فإن البقاء صامتا أثناء موقف مسيء ليس مثالاً على العقاب بالصمت، بل قد يكون الصمت جيداً جداً هنا لحماية الذات من الانتهاكات.

لماذا يُستخدَم العقاب بالصمت؟

يستخدم الناس العقاب بالصمت لعدد من الأسباب، وهي -وفقاً لموقع "ميديكال نيوز توداي" (Medical News Today) للصحة والطب- تشمل ما يأتي:

  • تجنُّب المواجهة: في بعض الحالات، يظل الناس صامتين خلال المحادثة لأنهم لا يعرفون ماذا يقولون، أو يريدون تجنُّب الخلاف بشكل كامل، لذا يلجؤون للصمت.
  • عدم القدرة على التواصل: قد يستخدم البعض الصمت درعا واقيا إذا كانوا لا يعرفون كيف يعبرون عن مشاعرهم، ولكنهم يرغبون في ذات الوقت أن يعبروا عن ضيقهم وحنقهم.
  • الرغبة في فرض العقوبة: إذا استخدم الشخص الصمت وسيلة لمعاقبة شخص ما أو لمحاولة فرضه عليه، فإنه يُعد شكلاً من أشكال الإساءة والابتزاز العاطفي.

وعلاوة على أنه سلوك مؤذٍ بشكل عام، فإنه خطير بشكلٍ خاص إذا تم استخدامه في تربية الأطفال، إذ قد يؤدي لمشاكل نفسية عميقة عند الطفل، لأنه لا يعرف تحديداً لماذا يتم عقابه وحرمانه وإنكار وجوده، وبالتالي قد يُصاب بأزمات في تقدير قيمته الذاتية ورؤيته لنفسه وحتى تقديره لمقاييس الخطأ والصواب.

ويُعد العقاب الصامت شكلاً خبيثاً من أشكال الإساءة والابتزاز، لأنه قد يجبر الضحية على التصالح مع الجاني رغماً عنها، في محاولة لإنهاء السلوك المؤذي نفسياً، حتى لو لم يكن الضحية يعرف سبب اعتذاره من الأساس.

سلوك مؤذٍ

في معظم الحالات، لا يُعد العقاب بالنبذ أو الصمت سلوكاً مثمراً وفعالاً بالنسبة للتعامل مع الخلافات والمشكلات.

وقد كشف بحث تم نشره عام 2013 في مجلة "كوميونيكيشن مونوغراف" (Communication monograph)، أن كلاً من الرجال والنساء يستخدمون العقاب بالصمت في علاقاتهم الزوجية.

ومع ذلك، فإن التواصل الواضح والمباشر أمر ضروري من أجل التفاهم وتحقيق التواصل والحميمية. إذ يمنع هذا السلوك السلبي الناس من حل نزاعاتهم بشكل صحي ومُثمر.

كما أن رغبة أحد الزوجين في التحدث عن مشكلة معينة في الوقت الذي يقرر فيه الطرف الآخر الانسحاب والصمت، يمكن أن يسبب له مشاعر سلبية مثل الغضب والضيق وعدم الثقة.

ووفقاً لدراسة أخرى أجريت عام 2012، وتم نشرها في مجلة "إيه بي إيه سايك نت" (APA Psycnet) لعلم النفس، فإن الأشخاص الذين يشعرون بالتجاهل بانتظام وبوتيرة مستمرة في علاقاتهم، يبلِّغون أيضا عن انخفاض مستويات احترام الذات والانتماء والإحساس بالمعنى في حياتهم.

لهذا السبب، يمكن أن يكون لسلوك العقاب بالصمت تأثيرات سلبية على صحة العلاقة، حتى إن كان الشخص الصامت يحاول من خلال سلوكه السلبي ذلك تجنُّب الخلاف فحسب، وليس فرض السيطرة أو معاقبة الطرف الآخر.

لذا فإن من المُرجَّح أن يواصل الضحية في تلك العلاقة تكرار ذات الخلافات، لأنه لم تتح له الفرصة أبداً لمناقشة مظالمه وتوضيح رغباته وتلقي الجواب المُقنع.

ما يمكن فعله حيال هذا السلوك

إذا كنت تتعرض لنمطٍ متكرر من العقاب بالصمت، فقد تساعدك الخطوات التالية في تقليل مخاطر هذا السلوك وفقاً لموقع "سايكولوجي توداي" (Psychology Today):

  • تجنَّب الانعزال: يُعد الحفاظ على العلاقات مع العائلة والأصدقاء والجيران وزملاء العمل، خطوة مهمة للتغلب على الابتزاز النفسي الذي يمارسه ضدك شريك حياتك إذا نبذك أو تجاهل وجودك.
  • الحفاظ على حياة غنية: يمكن أن يساعدك الانخراط في الهوايات والقراءة والمشاريع الفنية في الحفاظ على قوتك وثباتك أثناء مواجهة العقاب الصامت.
  • تذكَّر نفسك: من مشكلات أنك في علاقة مع شريك مسيء ومُتحكم، أنه قد يكون من الصعب عليك أن تتذكر هويتك، لذلك لا تسمح بمحو آرائك ورغباتك وأهدافك.
  • اطلب المشورة المتخصصة: المعالج النفسي الذي يفهم سلوكيات السيطرة وسوء المعاملة يمكن أن يساعدك على فهم ما تمر به، والاستعداد لمواجهة التحديات المقبلة.
  • حدد الخط الأحمر: مع إدراكك أن العقاب بالصمت هو مجرد تكتيك ينتهجه الشخص المسيطر، حدد ما هو خطك الأحمر. وإذا شعرت أن الموقف ضار لك أو يؤذي أسرتك، فابحث عن طرق التبليغ عن العنف المنزلي المُتبعة في دولتك، واستعِن بالمساعدة اللازمة للحصول على مخرج آمن من العلاقة.

المصدر : مواقع إلكترونية

البث المباشر