لا زالت عملية القدس الأخيرة تلقي بظلالها السلبية على الأوساط الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية"، وسط مخاوف من بداية موجة من العمليات، في ظل تراجع القبضة الأمنية الاحتلالية، وشعور الفلسطينيين بمزيد من الدوافع لتنفيذ هجمات أخرى ضد الجنود والمستوطنين.
ولعل أكثر ما أقلق الاحتلال، فضلا عن الهجوم المسلح قرب باب السلسلة الذي نفذه الشهيد فادي أبو شخيدم، حالة التعاطف التي تركها بين الفلسطينيين، ورغبة قطاعات واسعة منهم بمحاكاته وتقليده.
نداف شرغاي الكاتب المتخصص في شؤون القدس، كتب في صحيفة "إسرائيل اليوم"، أن "مظاهرات التضامن مع أبو شخيدم في مخيم شعفاط لم تكن مفاجأة لأحد، فالمئات الذين تظاهروا علنًا حاملين أعلام حماس داخل ما يمكن اعتبارها مناطق سيادية لدولة الاحتلال، وضمن ولاية بلدية القدس الاحتلالية، كشف للكثير من الإسرائيليين عما كان معروفًا منذ سنوات، لاسيما بالنسبة للسلطات الإسرائيلية التي كانت تعتقد بوجود شيء ما وراء "جبال الظلام".
وأضاف أن "هذه المظاهرات الفلسطينية التضامنية مع منفذ الهجوم الدامي تعبر عن الصورة الحقيقية لمدينة القدس، فهي فضلا عما يمكن اعتبارها عملياً الجزء الشرقي "المعادي"، فإن هناك مظاهر من الفقر والصرف الصحي وأوساخ والخراب والإهمال من جانب السلطات الإسرائيلية، والأهم من ذلك توجد آلاف الأسلحة التي يحتفظ بها المقدسيون في منازلهم، ويقدر تقرير أمني إسرائيلي أن كل منزل خامس في المخيم مخبأ للأسلحة".
ويتزامن هذا التوصيف "الإسرائيلي" المقلق مع الخشية الإسرائيلية مما يحياه المخيم الوحيد للاجئين في الضفة الذي تم تضمينه داخل ما تعتبره الحدود الإسرائيلية، حيث تم إنشاؤه في 1965 من قبل السلطات الأردنية، وسكانها أصليون من اللاجئين العرب من غربي القدس، الذين استقروا على أنقاض الحي اليهودي في 1948، وتم إجلاؤهم منه في العهد الأردني إلى شعفاط، وبعد حرب 1967 انضم إليهم المزيد من اللاجئين من هذه الحرب.
وتتحدث التقارير "الإسرائيلية" أن المخيم وأحياءه يضم حاليًا أكثر من خمسين ألف فلسطيني، كثير منهم ليسوا من سكان القدس الذين يحملون "الهوية الزرقاء"، لكنهم من سكان الضفة الغربية، الذين أقاموا منازلهم في المخيم، حيث لا يوجد حاجز من عبور بين الضفة الغربية والمخيم، ولذلك اختلطوا مع بعضهم على مر السنين، في حين أن عدد الأزواج المنخرطين في المخيم بين المقدسيين وسكان الضفة الغربية آخذ بالارتفاع بشكل خاص.
وترصد المحافل "الإسرائيلية" سوء الظروف المعيشية التي يشهدها مخيم شعفاط، ومن ذلك إخلاء القمامة بشكل غير منتظم، وتجد الخدمات الطبية صعوبة في الوصول هناك، وغالبًا ما تركت الأجهزة الأمنية المختلفة تنفيذ مهامها للشرطة وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، رغم أننا أمام منطقة تابعة عملياً للنفوذ الاحتلالي.
وعلى الصعيد الأمني، أزال جدار الفصل العنصري بحكم الأمر الواقع 5285 دونمًا خارج منطقة القدس المحتلة، بما في ذلك مخيم شعفاط والأحياء المجاورة له: رأس خميس ورأس شحادة، وتبلغ مساحتها 1100 دونما، وقد أدى هذا الواقع الصعب في المكان خلال السنوات الأخيرة إلى عدة مخططات غرضها كلها الانفصال عن سكان المخيم ومناطقه.
مع أن إحدى خطط الوزير زئيف إلكين تحدثت عن إزالة بعض المساحات من محافظة القدس، مع تركها كأراضي داخل الحدود الإسرائيلية المحتلة، في إطار مجالس محلية منفصلة يتم إنشاؤها لها، وهناك خطة للوزير حاييم رامون بنقل هذه الأحياء لسيطرة السلطة الفلسطينية، وخطة ثالثة لعضو الكنيست عنات باركو بالانفصال عن مخيم شعفاط، بتغيير وضعه من منطقة ذات سيادة إسرائيلية إلى منطقة "ب"، الأمن فيها لإسرائيل، والشئون المدنية للسلطة الفلسطينية.