كثيرة هي الإغراءات والعروض التي تقدمها أطراف دولية، بين كل فترة وأخرى، لحركة حماس وفصائل المقاومة؛ بهدف احتوائها بعد جولة القتال الأخيرة، سيف القدس، التي أظهرت خلالها فصائل المقاومة قدرات قتالية عالية، حيث بات يدرك المجتمع الدولي أن زمن تفوق الاحتلال قد انتهى.
آخر هذه العروض، وفق مصادر في المقاومة الفلسطينية، كان رفع الحصار عن قطاع غزة بصورة كاملة، وإعادة الإعمار، وبناء مدينة صناعية وأخرى سياحية، مقابل هدنة طويلة الأمد، والتخلي عن سلاح المقاومة.
حماس رفضت مثل هذه الإغراءات، وأكدت مجدداً على نهجها في الحفاظ على وحدة أرض فلسطين التاريخية، وعدم الاعتراف بشرعية (إسرائيل)، واعتماد الكفاح المسلح، الذي يشكل عائقاً أمام قبولها دولياً حركةَ تحرر. وقد دفعت نظير ذلك ثمناً باهظاً فأوصدّت أمامها بوابات سياسية، ونالت، في المقابل، ثقة وطنية وجماهيرية مع تكرار عدوان الاحتلال.
كما جددت تأكيدها على هذه الاستراتيجية والمواقف عبر شعار الانطلاقة، الذي كشفت عنه، وتضمن دلالات حول أهمية مدينة القدس، باعتبارها جوهر الصراع وعاصمة فلسطين الأبدية. كما تضمن دلالات حول نهج المقاومة، الذي شكَّل على الدوام درعاً للقدس وحصناً أميناً لها، وهي تحمي وتدافع عن الثوابت الوطنية حتى تحرير كامل فلسطين، وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى المبارك، وتحقيق العودة”.
كما حمل شعار الانطلاقة خارطة فلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها، لـ”تجسد حقنا الأبدي في كل شبر من أرضنا المباركة”.
ورغم خوضها معترك الحكم، عقب فوزها بالانتخابات التشريعية 2006، أكدت الحركة، في العديد من تصريحات قادتها، على ثبات موقفها ونهجها، وأنها لن تتخلى عن استراتيجيتها في ثوابت القضة الفلسطينية، مع ممارسة بعض المرونة التكتيكية في بقية التفاصيل؛ أملاً في كسر الحصار السياسي والاقتصادي الذي فشل في عزلها دولياً وإقليمياً.
وقال ناطقو وقادة الحركة في مواقف سابقة: إن عدم التفريط أو التنازل عن الأرض، والتمسك بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وخيار المقاومة الشاملة ضد (إسرائيل) مسارات استراتيجية لدى الحركة
عملية التسوية
فعلى صعيد عملية التسوية بين الاحتلال وسلطة محمود عباس، التي انطلقت عام 1993، ما زالت تتمسك حركة حماس ببطلان اتفاق أوسلو، الذي وصفته بـ ‘المشئوم’، كونه أعطى الاحتلال الحق في ‘اغتصاب 78 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية’.
وشكّلت حماس، إلى جانب الفصائل الوطنية والقوى الاجتماعية الفلسطينية، منذ البداية ‘ائتلافاً وطنياً’، وجبهة؛ لمواجهة نتائج المفاوضات التي قالت إنها ‘كارثية’، وعملت على تأسيس رؤية وطنية شاملة تقوم على التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني بتحرير الأرض، وعودة اللاجئين، وتقرير المصير.
قضايا وطنية
كما تشدد الحركة على أن عودة اللاجئين حق مقدس، يستحق أن تتوحد عليه الجموع، وأن تبذل من أجله الأرواح والدماء، وأن اللاجئين يمثلون جوهر القضية الفلسطينية، واستهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" "متعمد، ويهدف إلى تصفية قضية اللاجئين والوكالة الأممية معًا".
ويمثل العمل العسكري لدى حماس توجهاً استراتيجياً لمواجهة "المشروع الصهيوني في ظل غياب المشروع التحرري الإسلامي والعربي الشامل.
ولذلك، ما زالت الحركة تتمسك بأحقية الشعب الفلسطيني بممارسة أنواع المقاومة كافة، بما فيها المقاومة المسلحة والشعبية. وترفض حماس، بشكل قاطع، أي مساس بـ"سلاح" المقاومة، طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي، بل ورفعت من وتيرة تطوير الإمكانيات العسكرية والقتالية لمقاتليها في الجناح العسكري كتائب القسام التي خاضت 4 حروب وأظهرت قدرات قتالية عالية.
وحظيت مدينة القدس، وما تزال، بمكانة عظيمة في تاريخ حركة حماس، التي أكدت أن مدينة القدس والمسجد الأقصى خط أحمر، وأن أي اعتداء عليهما سيواجه بمقاومة باسلة من الشعب الفلسطيني الذي لن يسمح للنار أن تمتد مرةً أخرى.
وتحتل قضية الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي أولويات وأجندة حركة حماس والمقاومة، حيث نفّذت عشرات عمليات الأَسر لجنود الاحتلال، ونجحت من خلالها في تحرير آلاف الأسرى، وما زالت تحتفظ بعدد من الجنود الذين أَسرهم جهازها العسكري، "كتائب القسام"، منذ نحو سبعة أعوام
منظمة التحرير
كما ترفض الحركة الدخول لمنظمة التحرير بشكلها الحالي، كون أنها بحاجة إلى عملية إصلاح على أساس سياسي ومؤسسي وديمقراطي، وتشدد حماس على أن تمثيل الفصائل داخل المنظمة يجب أن يتم على أساس "الانتخابات"، داخل وخارج فلسطين.
وتبنت حماس موقفاً حيال هذا الملف، وطالبت، في جميع جولات المصالحة، بـترتيب منظمة التحرير، البيت الجامع للشعب الفلسطيني كله أينما وجد، بحيث يتم الاتفاق وطنياً على مجلس وطني فلسطيني (بمثابة برلمان الخارج)، جديد بالتوافق، ويكون مجلساً انتقالياً لمدة عامين".
حماس وعلاقاتها الدولية
وتلتزم حماس، كما أعلنت مراراً، بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول من حولها، والتركيز على مقارعة الاحتلال في حدود فلسطين التاريخية؛ رغم محاولات الزجّ دوماً باسمها في مشكلات عربية لتشويه طريقها المعاند للاحتلال.
وتتمتع الحركة بعلاقات مع عدة دول في الإقليم، وقد فرضت نفسها على جزء من معادلة المنطقة في العقدين الماضيين لا يمكن تجاوزه رغم وصفها مؤخراً من كثير من الدول الحليفة للاحتلال وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية "حركة إرهابية".
إذن، حركة حماس هي الأقدر على الثبات لأن البديل عن ثباتها وصبرها لن يكون الانفراج والتيسير وإنما التجاوز والتهميش إن لم يكن المزيد من الابتزاز والتضييق. والثبات على الموقف ومقاومة الضغوط كافة هو الاستراتيجية التي لا تملك حماس سواها.