لا تبدأ رحلة تعذيب الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال بالتحقيق معه، بل يعاني من التنغيص عليه منذ إصدار قرار اعتقاله كما ترصد أعين الكاميرات أو ترويه عوائلهم.
تفجير واقتحام وتنكيل، ملخص لعملية الاعتقال التي يتعرض لها الأسرى، فيستخدم الاحتلال العبوات الناسفة ليوقظ سكان المنزل على مشاهد الهلع والخراب، ومن ثم ينتهك الجنود حرمة البيت فيعيثون فيه خراباً ويدمرون الأثاث ويسرقون المقتنيات ويضعون الصغار والنساء في ركن واحد دون حركة لساعات.
لم يتوقف جنود الاحتلال عند تلك السلوكيات، بل يبتكرون دوماً أساليب للتنكيل بالأسرى وعوائلهم لحظة الاعتقال وذلك بهدف ترهيبهم وردعهم، فمثلا يشاهد الصغير والده يُضرب أو تحوم حوله الكلاب البوليسية، وبذلك تضرب (إسرائيل) كل الحقوق الدولية التي تدعو لاحترام حقوق الإنسان.
تستذكر المقدسية أم أحمد لحظة اعتقال ابنها القاصر "عبد الرحمن" حين فجر جنود الاحتلال باب بيتهم، واقتحموا المكان ومعهم كلاب بوليسية، تعرفوا على ابنها المطلوب، ثم اقتادوه وضربوه بأعقاب البنادق، تقول لـ "الرسالة" إنها كانت تصرخ وتتوسل إليهم لتركه لأنه مريض "سكر" ثم حاولت أن ترمي له علاجه لكنهم داسوه أرضاً ومضوا.
وتضيف: "لا أستطيع نسيان لحظة اعتقال ابني حين هجم عليه كلب بولسي وبدأ بنهشه أمام عيني ولم أقوَ على مساعدته"، متابعة: أمر الجنود زوجي وأبنائي بالجلوس في إحدى زوايا البيت دون حراك مصوبين فوهة البنادق تجاههم، بينما بقيت أصرخ دون فائدة".
وتشير إلى أنها علمت من ابنها بعدما اعتقل لسبعة أشهر، أنه بقي دون طعام لساعات طويلة فقد خلالها وعيه، وحاول أن يخبرهم بمرضه لكن المحقق كان يصرخ عليه بأقسى الألفاظ ويضربه.
أما بيان النتشة، زوجة الأسير حجازي القواسمي الذي اعتقل قبل عدة أشهر، فأخبرت "الرسالة" أن زوجها تعرض للاعتقال أكثر من مرة وجميع المرات أثرت بها وبأطفالها بشكل سيئ.
تصف ما يجري معها أنها بمجرد أن تسمع صوت أقدام على درج منزلها أو سيارات، تهرع فزعة تضع حجابها على رأسها ظانه أن جنود الاحتلال عادوا من جديد، مشيرة إلى أنها مهما حاولت التخفيف عن صغارها لكن الخوف والحقد يتملكهم.
وتحكي النتشة أنها بقيت مدة عامين تعيش حالة رعب بعد حادثة الاعتقال الأولى لزوجها، وذلك بعدما فجر الجنود باب بيتها بعبوة ناسفة ظنت وقتها أن "جرة الغاز" انفجرت، مبينة أن الجنود حين يقتحمون بيتها تطلب إذناً لدخول غرفتها لتضع حجابها إلا أنها تبقى لدقائق قليلة "ترجف وتبكي" دون أن تدرك ما ستفعله.
وتذكر "للرسالة" أن صغارها يعانون حتى اللحظة من آثار الصدمة التي يتعرضون لها لحظة الاعتقال حيث الاقتحام، وقلب البيت رأسا على عقب، وسرقة مقتنيات الصغار. كل ذلك يؤثر على حالتهم النفسية والدراسية، لافتة إلى أنها تحاول تهيئة صغارها والتخفيف عنهم لكن الأسئلة المتكررة حيال ما يجري دوماً على ألسنة أولادها.
جريمة حرب
ومن أشكال التعذيب التي ينتهجها جنود الاحتلال لحظة اعتقال الشبان كما روى بعضهم أنهم يتعرضون للضرب والإهانة بشكل متعمد وجنوني، فيتم تكبيل أيديهم وتعصيب أعينهم، وينهال الجنود بالضرب المبرح على أيديهم وأرجلهم بأعقاب البنادق، وأحيانا يسكبون الماء البارد عليهم خاصة في فصل الشتاء ثم يقتادونهم إلى معسكر التحقيق.
يقول عصام عابدين الخبير القانوني بأن ما يفعله جنود الاحتلال لحظة اعتقال الفلسطينيين من تنكيل يعد جريمة حرب ممنهجة.
وأوضح عابدين لـ "الرسالة" أن الاحتلال وفق القانون الدولي وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة مطلوب منه حماية السكان المدنيين كونه محتل، وبالتالي تلك الانتهاكات الجسيمة تعتبر عقوبات جماعية، وفق البرتوكول الدولي.
ويرى أنه من المفروض وجود عمل منظم لرفض تلك الانتهاكات عبر مرصد يهتم بتجهيز ملفات بالوقائع والأدلة القانونية وإرسالها للمحكمة الجنائية الدولية.
ووفق عابدين، فإن لحظة الاعتقال وما يتعرض له الأسرى من انتهاكات تسبب لهم إصابات قاتلة، لذا لا بد من توثيق تلك الاعتداءات الممنهجة بدلاً من الاكتفاء بسردها عبر وسائل الإعلام.