قائد الطوفان قائد الطوفان

سلطة أوسلو وبوادر الانهيار

أحمد كيان النجار.jpg
أحمد كيان النجار.jpg

بقلم أحمد كيان النجار

تعيش السلطة الفلسطينية أسوأ ظروفها منذ عام 1994 ، أزمات شديدة ومتصاعدة، مالية وأمنية ومجتمعية، بالإضافة إلى صراعات داخلية خلف الكواليس، والفساد الذي ينخر كل ركن وزاوية من مكوناتها، في وقت تبدي فيه السلطة جل اهتمامها وتمسكها بمشروعها السياسي القائم على عملية السلام وحل الدولتين، حتى وإن كان ذلك على حساب دماء وآلام وعذابات الفلسطينيين.

إذا أردنا أن نتعمق أكثر في أزمات السلطة بشيء من التفصيل، فإننا يجب أن نتحدث عن أزماتها المالية، حيث تعتمد السلطة منذ تأسيسها في مزانيتها على ثلاثة مصادر أساسية للإيرادات، وهي ضريبة المقاصة بنسبة تزيد عن 60%، وتجمعها إسرائيل مقابل عمولة بنسبة 3%، إضافة إلى الضرائب المحلية وتشكل في العادة ما نسبته 20%، والمساعدات الخارجية بنسبة تزيد عن 20% من حجم الميزانية.

السؤال هنا: لماذا تتعرض السلطة إلى أزمة مالية خانقة؟ في الواقع، يعود ذلك لعدة أسباب، الأول هو انخفاض قيمة المساعدات والمنح الخارجية، فمنذ عام 1994 وحتى نهاية عام 2017، وصلت المساعدات الخارجية المقدمة إلى 36.5 مليار دولار أميركي، لكنها أخذت في التراجع في السنوات الأخيرة، وهذا يرجع إلى عدة اعتبارات أهمها فقدان الدول المانحة الثقة بالسلطة، إضافة إلى سلوكها وسمعتها السيئة، والسبب الثاني هو تحكم إسرائيل في المقاصة والاقتطاعات الكبيرة التي تقوم بها من حين إلى آخر بهدف ابتزازها، والسبب الأخير هو ارتفاع حجم الإنفاق الحكومي، بسبب الرواتب العالية والمحسوبية وحجم الفساد المالي.

الجانب الآخر هو أزمة السلطة السياسية وغياب الشرعية الديمقراطية، حيث تعاني السلطة من حالة ترهل في النظام السياسي الفلسطيني وفقدان للشرعية وعدم إجراء أي انتخابات  منذ عام 2006، ما سبب لرئيس السلطة محمود عباس إحراجاً أمام المجتمع الدولي، ذلك دفعه أن يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر  سبتمبر 2020 عن عزمه إجراء انتخابات عامة، بعد قطيعة امتدت 14 عاماً، وأصدر المرسوم الخاص بالانتخابات، داعياً مختلف الفصائل في غزة إلى المشركة في انتخابات تشريعية أولاً، تعقبها انتخابات رئاسية بعد ثلاثة أشهر، ثم انتخابات مجلس وطني.

بدأ تشكيل القوائم واستعدت لخوض الانتخابات، لكن عباس فاجأ الجميع بقرار بتأجيل الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة يوم 22 مايو، وربطها بموافقة الاحتلال على مشاركة القدس "ترشيحاً وتصويتاً ودعاية انتخابية، ليبقى النظام السياسي الفلسطيني في حالة شبه انهيار كلي مع هيمنة كاملة لعباس.

وتضاف أيضاً أزمة السلطة الأمنية وسلوكها على الأرض في الضفة، حيث تشهد مدن الضفة المحتلة تظاهرات احتجاجية على  سياسات  السلطة وفسادها، فالشارع الفلسطيني يغلي: حراكات مهنية (معلمون، أطباء موظفون عموميون)، حراكات سياسية (ضد العقوبات على قطاع غزة، ضد التنسيق الأمني، احتجاجات تضامناً مع غزة فترة الحروب، وأخرى ضد مواقف سياسية للسلطة)، وحراكات اجتماعية مطلبية (ضد قانون الضمان الاجتماعي، 2019). في كثير من هذه الحراكات، كانت جموع المتظاهرين تصطدم مع قوى الأجهزة الأمنية.

لكن كان لحادثة اغتيال نزار بنات أثناء اعتقاله لدى الأجهزة الأمنية ، وما عقب ذلك من ردة فعل أجهزة السلطة، تجاوز لكل المقاييس والأعراف الأخلاقية والإنسانية وحتى الوطنية ، في مشهد لم نعتد عليه إلا من جنود الاحتلال ومستوطنيه.

أعادت جريمة قتل المعارض السياسي نزار بنات كثافةً الاحتجاجات إلى شوارع ومدن الضفة المحتلة، الرافضة لهذه الجريمة، والمطالبة بمحاكمة المجرمين، إضافة إلى عودة شعارات رفض التنسيق الأمني، وتقييد حرية التعبير، والاعتقالات السياسية، والاعتداء على الحريات العامة.

عودة هذا الزخم من الاحتجاجات في شوارع ومدن وقرى الضفة المحتلة، بالإضافة إلى التصاعد الكبير في أعمال المقاومة بالأسابيع الأخيرة، آثار حفيظة أجهزة السلطة، فقابلت ذلك بمزيد من القمع والاعتداءات والسحل، إضافة إلى حملاتها القمعية ضد النشطاء والحركيين في الضفة المحتلة، خاصة أن هذه الحملات تأتي بالتزامن مع حملة الاحتلال بحق النشطاء، مما وسع الهوة بين السلطة وشعبها الذي بات يرفضها.

أما الفلتان الأمني، فأم البوادر إن صح التعبير، فقد شهدت بعض مدن الضفة المحتلة مؤخراً أحداثًا أمنية، كان من أبرز مظاهرها اللجوء إلى العنف وحسم الخلافات الداخلية أو الشجارات العائلية بالسلاح، فقد وصلت إلى اشتباكات مسلحة سقط فيها ضحايا، وسط عجز السلطة عن ضبط السلاح وتوفير الأمن والاستقرار.

إضافة إلى الأزمات السابقة تبقى أزمة الصراعات داخل حركة فتح ، والتي تتفاعل  بسرعة بسبب عمر رئيس السلطة محمود عباس الذي تجاوز الـ85 عاماً وسيطرته على كل مفاصل السلطة منذ اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات في عام 2005

وفق هذه الأزمات، فإن السلطة لا محال إلى انهيار، سلطة لا تستطيع أن تحمي طفلاً أمام مستوطنين، ولا بمقدورها أن تحمي ناشطاً من اعتقال، وليس باستطاعتها صد اقتحام لقوات الاحتلال؛ بل توفر له الأجواء الملائمة وتزوده بالمعلومات الأمنية.. سلطة تحارب المقاومة وتقمع النشطاء والحركيين.. سلطة بهذا الضعف والمهانة والانحلال لا أفق أمامها إلا الانهيار والاندحار.

البث المباشر