في كل المشاهد ستجد لسارة النبالي صورة، أو كلمة، أو على أقل تقدير دمعة، على إحدى بوابات الأقصى، وهي تنادي حين يكرر الاحتلال إغلاقها: "الله ينتقم منكم، بدنا نصلي احنا".
قبل سبعة أشهر، وفي خضم معركة سيف القدس، وبينما كانت القدس تشتعل غضباً وتضامناً مع غزة والشيخ جراح، وقفت أم وليد النبالي، المرابطة المقدسية أمام جنود الاحتلال المتمترسين أمام إحدى بوابات المسجد الأقصى، مدججين بالسلاح وهي بجسد أعزل، تجر ثوبها الفلسطيني وتهاجمهم: "واقف ليش انت وياه، بدك اطخنا، انقلعوا من هان، بصيريش تضلوا قدام البواب".
ينقلع الجندي (الإسرائيلي) مستجيباً للغة النبالي، التي لم تكن سيدة عادية تأتي للصلاة في الأقصى، وإنما مرابطة عُرفت بجرأتها، وقوتها في الحق، واشتهرت، حتى رحيلها، بكلمة" انقلعوا".
قالت في حديث مع الشباب المقدسيين في باحات الأقصى: "عمري 91 سنة والي من خمسين سنة بصلي بالأقصى، صليت مع أولادي، واولاد اولادي، واولاد أولاد اولادي، وأفهم اللغة العبرية، وقلت للجندي وأنا ابنة الخمسة وعشرين: "أنا موجودة هون قبل ما أنت وعيلتك تيجو".
تدافع عن الأقصى بلغتين، وتهتف في صعودها نحو صلواتها ونزولها" في سبيل الله قمنا، نبتغي رفع اللواء" وتطالب الشباب المرابطين بأن يهتفوا خلفها، وهم يؤكدون أنهم منذ وعت عيونهم على القدس، وهم يرون الحاجة أم وليد جزءاً من صورة الأقصى.
اليوم تودع جدران وبوابات الأقصى واحدة من حامياتها، التي تحولت كلمتها البسيطة " انقلعوا" إلى وسم وطني مشهور.
كلمة ( انقلعوا ) كانت مؤثرة أكثر من خطابات زعماء العرب، وأكاذيب محور الممانعة، وإغراءات مشايخ البترودولار، وجعجعة الأحزاب العربية .
سارة النبالي كانت لكلماتها تأثير السحر، وتضاهي أعظم الخطابات لأعظم القادة عبر التاريخ، خطاب بنبرة الحق واليقين في العودة، لم تكن ضيفة على الفضائيات لتحلل الموقف السياسي الراهن، ولا جزءاً من أي حزب، فقد ولدت قبل الأحزاب، في بيت نبالا حيث لم يكن هناك تجارة بالمصطلحات ولا بالثورة.
تمتعت النبالي طوال سنين عمرها بصحة جيدة، ولم تعانِ من أي مرض قبل وفاتها، بل صدمت وفاتها أبناءها السبعة وأحفادها الثلاثين الموزعين داخل فلسطين وخارجها.
كانت تقول: "الله لا يثقل عليّ، والله يهونها عليّ"، وهكذا رحلت يوم الجمعة بهدوء ووجه أبيض عليه علامات الورع والتقوى وبابتسامتها نفسها التي تقابل بها الأقصى كل يوم، دون أن تشكو من أي مرض، قررت أن تغمض عينيها بعد أن امتنعت عن الطعام فجأة، ثم رحلت بكل هدوء.