لا يزال مؤشر معدل الجريمة في الداخل الفلسطيني المحتل مرتفعاً، فمنذ مطلع العام الجاري قُتل 13 شخصًا وفي المقابل هناك تهاون من الشرطة الإسرائيلية في التعامل مع تلك الحالات أو الحد منها، خاصة أنها تغض الطرف عن ملاحقة عصابات الجريمة.
وبلغت حصيلة ضحايا جرائم القتل بالمجتمع الفلسطيني العام الماضي، 111 ضحية بينهم 16 امرأة.
ولم يعد سراً ما يهدف له الاحتلال الإسرائيلي من وراء دعم تلك الجرائم، خاصة أنه يسعى لتمزيق النسيج المجتمعي وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
والمتابع جيدا لجرائم القتل في الداخل المحتل يجد أنها بدأت تزداد بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 وهبة القدس 2015، خاصة بعدما شكلت اللحمة الوطنية في الأراضي الفلسطينية علامة فارقة حين خرجوا للدفاع عن المسجد الأقصى بمختلف الانتماءات السياسية والدينية.
تلك الظاهرة بمقدور الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن توقفها عبر القضاء على السلاح المنتشر بين أيدي الشباب بكل سهولة، لكنها تتجاهلها طالما الرصاص موجه للانتقام والثأر بين الفلسطينيين بعيداً عن الإسرائيليين.
يقول الحقوقي خالد زبارقة، إن العنف في الداخل المحتل ممنهج، والأهالي يعيشون نتاج ما زرعه الاحتلال في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن المؤلم في هذه الظاهرة المَرَضية أن السلطات الإسرائيلية لن تعالجها كونها جزءاً من صناعة الفتنة.
وذكر زبارقة "للرسالة" أن الجرائم التي تقع في الداخل المحتل ليست عبثية بل تحدث على أيدي تنظيمات وعصابات جريمة تنشط في المجتمع العربي تحت غطاء الاحتلال الإسرائيلي، لافتاً إلى أنهم يعانون من جريمة منظمة يحركها عدة عناصر: "تجار المال الأسود والمخدرات والسلاح".
وبحسب قول الحقوقي، فإن الأهالي يعولون على القيادة الشعبية والسياسية لبذل الجهود ووضع الحلول لاجتثاث هذه الظاهرة من جذورها، مؤكداً أن الشرطة معنية بتنامي تلك الجرائم من أجل استسلام عرب الداخل وخضوعهم للسياسة الإسرائيلية.
وتطرق خلال حديثه إلى أن هناك مشروعاً كبيراً يقوده الشيخ رائد صلاح وهو "إفشاء السلام" حيث بدأ بإقامة لجان محلية في كل بلدة لنشر ثقافة التسامح وإعادة العادات والتقاليد والتراث العربي الفلسطيني الذي يحمي المجتمع من جرائم القتل، ويخلق قوى داخلية لحمايته.
تفكيك المجتمع العربي
وفي مقال كتبه نهاد أبو غوش، المختص في الشؤون الإسرائيلية بعنوان "إسرائيل وإدارة الجريمة"، ذكر فيه أن هذه الظاهرة المفزعة تتنامى وتزداد، وباتت بعض المواقع الإخبارية في الداخل تخصص سجلاّ جاهزا وإحصائيات لعرض هذه الظاهرة.
وأكد في مقاله أن قيادات المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة باتت تقر بهذه الظاهرة، حتى نتنياهو وبينيت تحدثا عنها مراراً، لكن لسان حال الحكومات الإسرائيلية ومعها الجهات الرسمية المتخصصة، وهذا مثبت في وثائق ومحاضر رسمية، تزعم أن الظاهرة هي صفة ملازمة للمجتمع العربي الذي ينشأ أفراده ويتربّون على العنف، حسب ادعائهم.
ولفت أبو غوش إلى أن الحقائق والإحصائيات تكذّب افتراءات الأوساط الإسرائيلية الحاكمة، موضحاً أنه في حال تم استثناء الحروب الأهلية الشاذة بطبيعتها، فإن معدل الجرائم في الوسط العربي في الداخل يزيد بثلاثة أضعاف عن المجتمعات العربية المجاورة والمشابهة من حيث الثقافة والتقاليد، بما في ذلك مجتمعات الضفة وغزة والأردن وسوريا ولبنان.
ويرى أن حكومة الاحتلال وأجهزتها الأمنية، تغض الطرف، وتتعامى عن آلاف قطع الأسلحة المنتشرة بين الأفراد والعائلات والعشائر، طالما أن هذه القطع لا تستخدم إلا في الأعراس والاستعراض والمشاجرات.
ويؤكد أن الأجهزة مستعدة لأن تقيم الدنيا ولا تقعدها، فتشنّ حملات دهم وتفتيش واعتقالات جماعية، وتفرض الأطواق وكل أشكال الحصار بحثاً عن أية قطعة سلاح تشك تلك الأجهزة في إمكانية استخدامها في مقاومة الاحتلال.
ويخبر أبو غوش أنه ليس سرّا أن معظم قطع السلاح المنتشرة مصدرها سوق السلاح الإسرائيلية السوداء ومخازن الجيش، وبالتالي تتوفر لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية القدرة الفنية على “تشريك” هذه القطع، أو زرع مجسات صغيرة في جوفها، لتتمكن من تحديد مكان القطعة وحركتها.
واستعرض في مقاله الأسباب الجدية والجديرة بالبحث حول ظاهرة القتل، وهي صحة الفرضية التي تقول إن الدولة الإسرائيلية تستخدم الجريمة بطريقة تهدف إلى تفكيك المجتمع العربي والسيطرة عليه، وتوجيهه حيثما تريد، وما يعزز هذه الفرضية تكرار المقولات الإسرائيلية عن الخطر الديمغرافي الذي يمثله فلسطينيو الداخل و"القنبلة الديمغرافية الموقوتة" التي قد تنفجر في أي لحظة.