انقلبت أوضاع أسرة الضابط خليل حسين رأسًا على عقب، منذ إحالته إلى التقاعد الإجباري بقرار رئاسي في عام 2017. حسين الذي كان يعمل في جهاز الأمن الوطني، وينتمي إلى حركة فتح يرى أن قرار إبعاده عن وظيفته كان مميتًا، مشيرًا إلى سيل من الجهود التي بذلها من طريق التنظيم لإبقائه على رأس عمله.
وحسين الذي لم يحصل على كامل حقوقه المالية من صندوق هيئة التقاعد الخاص بالعسكريين، إضافة إلى تأخر حصوله على راتب التقاعد الشهري؛ يناشد باستمرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل مساعدته لتلقي العلاج.
وكان الرجل التحق بالعمل عسكريًّا قبل ربع قرن، لكن حالته أصبحت الآن فقيرة بعد أن كان ميسور الحال. حسين واحد من 17 ألف موظف عسكري أحيلوا إلى التقاعد في قطاع غزة، ولم يحصلوا على حقوقهم المالية، أو يتسلموا رواتبهم بانتظام، بسبب عدم وجود أي أموال في صندوق تقاعد العسكريين.
ويحاول معد التحقيق الإجابة عن جملة من الأسئلة، منها: ماذا تعرف عن صندوق المتقاعدين العسكريين؟ وكم ميزانيته؟ ومن الجهات التي تديره؟ وكيف يحفظ للعسكريين حقوقهم؟ ومن الجهة الرقابية الخاضع لها؟ وتوصل معد التحقيق إلى معلومات تفيد أن السلطة استولت على مليار و200 ألف شيقل، من الصندوق الخاص بالمتقاعدين العسكريين على مدار السنوات الماضية، وتوقفت عن توريد اشتراكات الموظفين العسكريين لهيئة التقاعد.
وتوصل إلى أن السلطة لم تلتزم بتوريد كامل الاشتراكات الخاصة بالموظفين من عام 1999 إذ كانت وزارة المالية تورد حصة الموظف فقط حتى نهاية عام 2008، ومنذ بداية عام 2009 توقفت عن توريد كامل الاشتراكات الشهرية (حصة الموظف وحصة الحكومة). القوانين الناظمة وخالفت السلطة بسحبها أموال صندوق المتقاعدين العسكريين قانون التأمين والمعاشات لقوى الأمن الفلسطيني رقم (16) لسنة 2004، التي تلزم المادة (6) منه الحكومة والجهات المُشغلة تسديد الالتزامات والعائدات التقاعدية للمنتفعين لديها، عن مدد خدمتهم السابقة.
وينظم قانون التقاعد العام رقم (7) لسنة 2005، الذي عدله رئيس السلطة محمود عباس لاحقًا، بقرار بقانون رقم (29) لسنة 2018؛ حقوق المتقاعدين العسكريين، إذ يعرف المستحقون بأنهم الأفراد الذين لهم الحق في الاستفادة من الراتب التقاعدي الأساسي، والأموال المجمعة من الحساب الاختياري للموظف المتقاعد.
ويمنح القانون استثمارات لمصلحة المتقاعدين العسكريين بالأموال التي من المفترض أن تحولها لهم وزارة المالية، وهو ما لم تفعله السلطة، لأن الصندوق لا يوجد به شيء. ويعرف الخدمة التقاعدية بأنها مدة الخدمة المقبولة للتقاعد بموجب أحكام هذا القانون، التي سددت مستحقاتها المالية بالكامل للهيئة.
وتمول الموازنة الجارية للهيئة من مساهمات المشتركين بحيث لا تزيد على "2%" من الاشتراكات في أي سنة مالية، وتلتزم الهيئة بالحصول مسبقًا على موافقة المجلس التشريعي، وفي حالات الضرورة القصوى وحال تطلب الأمر تجاوز الجارية لهذه النسبة كما ينص القانون.
وحسب المادة (16) من القانون يكون الراتب هو الأساس الذي تحسب منه نسبة المساهمة لكلٍّ من المشترك، أو الحكومة، أو أي جهة أخرى تلتزم برواتب الموظفين.
وتكون نسبة مساهمة الحكومة الإجبارية في نظام المنافع المحددة (9%) من الراتب، ومساهمة المشترك الإجبارية في نظام المنافع المحددة (7%) من الراتب، ونسبة مساهمة الحكومة الإجبارية في نظام المساهمات المحددة (3%)، وللمشترك (3%) من الراتب، وللمشترك المساهمة بأي نسب إضافية أخرى دون أن يرتب ذلك أي التزامات إضافية على الحكومة.
وتلزم المادة (19) من القانون مديرية الرواتب العامة في وزارة المالية تحويل مساهمات المشترك والحكومة إلى الحسابات المخصصة لهذا الغرض لدى حافظ الهيئة، ويعلم المدير العام للرواتب الحافظ وإدارة الهيئة بهذا التحويل، ويبلغ الحافظ فورًا إدارة الهيئة ومديرية الرواتب العامة تسلمه هذه الحوالة.
سحب الأموال المفوض الإعلامي للهيئة الوطنية للمتقاعدين العسكريين الفلسطينيين نبيل برزق أكد أن عدد المتقاعدين العسكريين في قطاع غزة يصل إلى 17 ألف متقاعد، منهم 12 ألفًا أحيلوا إلى التقاعد خلال السنوات الأخيرة.
وذهب برزق في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى تأكيد أن السلطة صرفت أموال صندوق تقاعد العسكريين، البالغة قيمتها مليارًا و200 ألف شيقل، وهو ما جعل الصندوق فارغًا، وتسبب في تأخير رواتب المتقاعدين، وعدم حصولهم على حقوقهم.
ولم تعرف الطريقة القانونية لصرف أموال صندوق المتقاعدين العسكريين، كما يؤكد برزق، إذ يوجد طرق صرف صحيحة وأخرى غير صحيحة. وتتأخر رواتب المتقاعدين العسكريين بقطاع غزة في البنوك -حسب حديث برزق- لعدم توافر أموال في الصندوق الخاص للمتقاعدين، بسبب سحب السلطة لها على مدار السنوات الماضية.
"ونتيجة لعدم وجود أموال في صندوق المتقاعدين العسكريين يتسلم المتقاعدون رواتبهم من وزارة المالية، وليس من مدخراتهم عبر هيئة التقاعد الفلسطينية، وهو ما يعني أنهم وفقًا للقانون لا يزالون على رأس عملهم كباقي الموظفين" والكلام لبرزق.
وتوقفت السلطة أيضًا عن تحويل ما تستقطعه من رواتب الموظفين العسكريين على مدار السنوات الماضية إلى هيئة التقاعد الفلسطيني، وهذه أموال صرفتها السلطة أيضًا، لذلك يواجه المتقاعدون تأخيرًا في رواتبهم، كما يؤكد المفوض الإعلامي للهيئة الوطنية للمتقاعدين العسكريين الفلسطينيين.
وتطالب الهيئة الوطنية للمتقاعدين العسكريين (وهي مؤسسة رسمية) دائمًا -حسب تأكيد برزق- رئيس السلطة محمود عباس، ورئاسة الحكومة، واللجنة المركزية لحركة فتح، بسداد أموال المتقاعدين العسكريين، وإعطائهم حقوقهم.
أموال مهدورة ذهب معد التحقيق إلى المتقاعدين العسكريين لمعرفة أين أموال الصندوق الخاص بهم، فتبين أنهم لا يعرفون أين ذهبت تلك الأموال بعد صرف السلطة لها، وفقًا لما أكده الناطق باسم ملتقى المتقاعدين العسكريين، حسام الأسطل.
وتطابق حديث الأسطل مع تصريح الهيئة الوطنية للمتقاعدين العسكريين الفلسطينيين، إذ أكد أن السلطة بالفعل سحبت مبلغ المليار و200 ألف شيقل من صندوق المتقاعدين، إضافة إلى مبالغ أخرى غير معروفة قيمتها. وتضاعفت المبالغ المالية التي سحبتها السلطة من أموال المتقاعدين العسكريين -حسب تأكيده- إلى أرقام كبيرة لم تعرف قيمتها بعد، إذ صرفت تلك الأموال بطرق لم تعرف، وأخرى معروفة كانت بداية الانتفاضة، حين حوصر الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ومن التجاوزات الواضحة بحق أموال المتقاعدين العسكريين، وبَيّنها الأسطل: عدم تحويل وزارة المالية التابعة للسلطة الأموال التي رصدها القانون، وعدم تحويل الاستقطاعات من الرواتب لهيئة التقاعد، وتلك الأموال لا يعرف أين ذهبت. وقال: "ولمعرفة أين ذهبت أموال المتقاعدين أرسلنا كتبًا رسمية طالبنا فيها السلطة والحكومة بالكشف عن أموال الصندوق، التي يوجد مبالغ منها مهدورة، ولكن لم يصل إلينا أي رد".
هيئة التقاعد ولمعرفة تفاصيل صرف أموال صندوق المتقاعدين العسكريين ذهب معد التحقيق إلى هيئة التقاعد الفلسطينية، فأكدت أنها لا تعلم شيئًا عن أموال الصندوق، ولا يوجد لديها أي بيانات مالية للمتقاعدين العسكريين خلال السنوات التي خدموا فيها بالسلطة.
وأكدت الهيئة أن وزارة المالية في رام الله هي التي تسلم رواتب المتقاعدين العسكريين، ولا يوجد لها أي علاقة بهذا الملف، ودورها فقط كان تنظيم بعض الأمور الإدارية للمتقاعدين. وعمومًا تؤكد الهيئة أن الالتزام المطلوب من الحكومة لها لعام 2022 تقارب قيمته 40 مليون شيقل شهريًّا، وتشكل 57% من الاشتراكات الشهرية المطلوبة من وزارة المالية.
استحقاقات مالية المختص الاقتصادي سمير الدقران أكد أن حكومة رام الله تمثلها وزارة المالية لم تدفع الأقساط الشهرية من فاتورة الرواتب البالغة 22% التي تحول إلى هيئة التقاعد، ولكن وزارة المالية لا تحول تلك المساهمات الخاصة بالموظفين التي نص عليها القانون.
وقال الدقران: "كان هناك قانون التأمين والمعاشات، وأنشئت هيئة التقاعد الفلسطينية وهيئة التأمين والمعاشات، ودمجتا، والآن أصبح الموظف تحت طائلة قانون التأمين والمعاشات، والقانون العام للتقاعد". وأضاف: "حين يخرج الموظف للتقاعد يُتعامَل معه وفق القانونين، وهناك مدخرات للموظف يجب أن يأخذها، وهي تراكمية باستثماراتها، ولكن لم يعطَ أي موظف عسكري أو مدني تلك الأرباح، مع سحب الأموال من الصندوق".
وبين الدقران أن هيئة التقاعد يوجد بها عدد من الإشكالات، أبرزها أن صندوق التقاعد للعسكريين لم تحول له أموال، وأن رئيس هيئة التقاعد معين بقرار حكومي رغم إلزامية انتخاب الموظفين له. وذكر أن الحكومة عليها استحقاق مالي أكثر من (15) مليار شيقل لصندوق التقاعد، ما يضيع حقوق الموظفين المتقاعدين. كذلك يوضح الناشط في حقوق الموظفين المتقاعدين كامل دنون أن صندوق التقاعد يقتطع من الموظف جزءًا من راتبه طيلة سنوات خدمته، وبذلك "يجب أن يحصل المتقاعد على راتبه التقاعدي كاملًا بانتظام شهريًّا".
وقال دنون: "صندوق التقاعد للعسكريين خالٍ من الأموال، وتلك جريمة وكارثة وطنية ومجتمعية، تستوجب وقفة من المتقاعدين لمعرفة أين ذهبت أموال الصندوق". وأكد أنه لا يوجد رقابة على صندوق التقاعد إطلاقًا، ولا توجد لجان تقاعد تعلم أين تذهب الأموال، أو جهة نقابية تطالب بحقوق المتقاعدين، وتعلم لماذا تتأخر رواتبهم. وعن إعلان رئيس هيئة صندوق التقاعد ماجد الحلو استثمار أموال الصندوق، لإقامة مشاريع استثمارية ضخمة من أموال المتقاعدين؛ قال دنون: "لم توضح أي معلومات عن تلك الاستثمارات، أو الأرباح التي حققتها ومن المفترض أن يستفيد الموظف منها".
وبين النقابي دنون أن أحد أسباب فقدان الصندوق أمواله هو التعديل الأخير على القانون بمرسوم الذي أصدره رئيس السلطة، وسمح لكبار الموظفين ومن هم بدرجة وزير بالحصول على مبالغ كبيرة من الصندوق دون استقطاع أموال مقابلها من رواتبهم. مشكلة كبرى المستشار القانوني حجازي القرشلي أفاد أن قانون التقاعد العامل يشمل المدنيين والعسكريين، وسارٍ من عام 2006.
ويلزم القانون -كما بين القرشلي لصحيفة "فلسطين"- السلطة أن تدفع 12% لصندوق التقاعد لمصلحة الموظف، و10% من راتبه، وهي اشتراكات شهرية تذهب إلى هيئة التقاعد العام، وعلى مدار السنوات الماضية يقدر المبلغ ثلاثة مليارات شيقل. وهنا نبه إلى أن مجالس الوزراء المختلفة على مدار السنوات الماضية لم تلتزم بتحويل اشتراكات الموظفين، أو النسبة التي كان يجب أن تدفعها وفق القانون لصندوق التقاعد، بل كانت تُحصِّل أموال القروض التي كانت تعطيها الهيئة للمتقاعدين ولا تحولها إلى الهيئة.
وأوضح القرشلي أن صندوق التقاعد يعتمد على موازناته التي يأخذها من مصادر أخرى، كالشركات، والجامعات، والبلديات، والاستثمارات المباشرة، ولكن دائمًا هناك عجز، لأن السلطة لا تدفع حصة الحكومة عن اشتراكات التقاعد، ولا تدفع حصة الموظف. وعن العسكريين قال: "المشكلة أكبر لدى المتقاعدين العسكريين، لأن أغلبهم لديهم مدة خدمة قديمة، ولم ترسل اشتراكاتها لهيئة التقاعد".
ووفق القانون أوضح المستشار القانوني أن هيئة التقاعد هي التي يجب أن تسلم للمتقاعدين العسكريين أو المدنيين رواتبهم، وليس وزارة المالية. ويمكن للمتقاعدين العسكريين -حسب حديث القرشلي- التوجه للقضاء، ورفع قضايا للمطالبة بأموالهم، وهو ما كفله لهم القانون. ولمعرفة أين ذهبت أموال المتقاعدين العسكريين خاطب معد التحقيق وزارة المالية في رام الله، وأرسل لهم رسائل إلكترونية (إيميلات) رسمية، ولم يأتِ الرد منهم. وأمام تلك الحقائق لم يُعرَف بعد أين صرفت السلطة أموال المتقاعدين العسكريين، وهل ستعيدها لهم.
المصدر: صحيفة فلسطين