نكبة أخرى يسعى الاحتلال جاهداً لتطبيقها على أهالي النقب والشيخ جراح، ليكرر بذلك المأساة الإنسانية التي عانى منها الفلسطينيون في عام 1948 بتشريد وتهجير قرابة 750 ألفاً قسراً، وهدم المعالم السياسية والاقتصادية والحضارية.
جنود مدججون بالأسلحة يلاحقون المواطنين المدنيين العزّل، الذين يحاولون بدورهم الدفاع عن أرضهم والتصدي للاحتلال كالسد المنيع رفضاً لمصادرتها.
اعتصامات، ومواجهات، وإشعال إطارات، وإضرابٌ شامل، جميعها وسائل يقاوم الأهالي من خلالها الاحتلال؛ لمنعه من تهجير المقدسيين من منازلهم ومن تجريف الأراضي ومصادرتها بُغية بناء مستوطناتٍ عليها.
فصل الضفة عن غزة
الخبير في الشأن المقدسي د. جمال عمرو يؤكد أن الاحتلال يطمع في الاستيلاء على منطقة النقب لأنها تشكل العمق الاستراتيجي لفلسطين إذ تُشكل مساحتها نصف مساحة فلسطين تقريباً.
ويقول جمال خلال حديثه "للرسالة نت": "إن الاحتلال يسعى للسيطرة على حي الشيخ جراح لمكانته الاستراتيجية، إذ يُشكل حلقة الوصل بين المستوطنات القائمة على المناطق الشرقية والغربية من القدس ولاعتباره بوابة المسجد الأقصى الشمالية".
ويضيف أن الاحتلال لا يريد بقاء الفلسطينيين في النقب لقطع أفق التواصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين فلسطين ودول عربية كمصر.
ويوضح عمرو أن الاحتلال يسعى للاستيلاء على أرض النقب لاستبدال الوجود الفلسطيني بالمستوطنين، فهو يعمل على تجميع الفلسطينيين في أماكن محدودة يسهل السيطرة عليها.
ويبيّن أن اجراءات الاحتلال في السيطرة على النقب تكون بهدم القرى والتضييق على أهلها في كل مناحي الحياة فيما يتعلق بالماء والكهرباء والتعليم.
ويلفت عمرو إلى أن الأوراق التي يمتلكها الفلسطينيون يعود أصلها للعهد العثماني.
ويشير عمرو إلى أن الاحتلال يتخوف من مواجهة مباشرة مع الفلسطينيين ومن ثورة الشعب الفلسطيني عليه نصرةً لأهالي النقب والشيخ جراح.
سياسة قديمة جديدة
من ناحيته، يؤكد المحلل السياسي والمختص بالعلاقات الدولية د. أشرف الغليظ، أن الاحتلال يمارس سياسة قديمة جديدة. فمنذ عام 1948 وهو يعمل على مصادرة كل أراضي الشعب الفلسطيني؛ ليطمس معالمها ويصادرها.
ويوضح الغليظ خلال حديثه "للرسالة نت"، أن النقب هي من أفضل المناطق الفلسطينية وأكبرها مساحةً إذ تقدر مساحتها بنصف مساحة فلسطين؛ لذلك يسعى الاحتلال لمصادرتها.
ويقول الغليظ: "إن المواطنين في النقب يدافعون عن أرضهم كما يدافع باقي الفلسطينيين عنها فهو يعمل على إلغاء المفهوم النضالي لديهم بشتى الطرق والأساليب".
ويضيف أن الاحتلال يُضيّق على أهالي النقب والشيخ جراح من خلال فرضه الضرائب الكثيرة، والسماح للمستوطنين بالتعدي عليهم بحماية من شرطة الاحتلال؛ لترحيلهم من أرضهم ونسبها إليه فيما بعد.
ويبيّن الغليظ أن الاحتلال يتخوف من توسيع رقعة النضال في كل الساحات الفلسطينية، لأن ذلك يشكل حالة استنزاف وضغط كبير لا يمكنه التصدي له.
ويعد الشيخ جراح من أرقى أحياء القدس ويضمّ معظم القنصليات ومساكن الدبلوماسيين، ويشهد الحي توترًا منذ أشهر على خلفية التهديد بطرد عائلات فلسطينية من منازلها فيه لصالح جمعيات استيطانية.
ويقطن أكثر من 3 آلاف فلسطيني فيه على مساحة تقدر بنحو ألف دونم، وهي آخر ما تبقى لهم بعد مصادرة آلاف الدونمات من أراضي السكان.
ولا يزال الفلسطينيون في النقب والشيخ جراح يقاومون الاحتلال، خاصةً بعد تصعيده وتيرة الصراع وقيامه بتهديد العائلات الفلسطينية بالطرد من منازلها في الحي المقدسي، عدا عن تجريفه عدداً من القرى على رأسها قرية الأطرش، وقمعه للتظاهرات الشعبية.
وتشكل المنطقة الصحراوية قرابة 40% من جغرافيا فلسطين التاريخية، التي تمتد من عسقلان على الساحل الغربي حتى وسط فلسطين حتى رفح، على امتداد حدود سيناء، وتسكنها سبعة تجمعات عربية تشكل 56% من سكان النقب، الذين يتعرضون منذ عام 1948 لعمليات خنق لطردهم منها.
وأجبر الاحتلال إبان النكبة قرابة 100 ألف فلسطيني على الرحيل من النقب، وتحوّل أغلبهم إلى لاجئين في الأردن وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية، وخصوصاً في مناطق الجليل والأغوار والقدس.