قائد الطوفان قائد الطوفان

عمان و«ثابتها الأكبر» في امتحان «التقاسم المكاني والزماني»

بسام البدارين

مجدداً، وجد الأردن نفسه في زاوية المفارقة المستمرة؛ حيث هوامش المناورة تضيق أكثر، والتواصل عند الأزمة مرة أخرى مع أطراف غير فاعلة في القرار والميدان، سواء في حكم اليمين الإسرائيلي أو حتى في عمق المعادلة الفلسطينية. بوضوح شديد، لا تبدو عمان عندما يتعلق الأمر بثابتها الأكبر وهو القدس والمسجد الأقصى، معنية بالإصغاء إلى هتافات في الشارع الأردني تطالب كتائب القسام بالرد على إسرائيل. ولا تبدو عمان مهتمة بأن تعبر أزمة المسجد الأقصى نهر الأردن فتخلط أوراق الشارع والحراك في الضفة الغربية.

آخر ما يفضل المسؤولون الأردنيون التعامل معه كوقائع على الأرض هو ذلك المشهد الذي يتجمع فيه أردنيون من مختلف العشائر والقبائل على خطوط التماس مع فلسطين المحتلة تحت عنوان الزحف من أجل القدس والمسجد الأقصى. الموقف محرج للغاية الموقف محرج للغاية، فالأردن الرسمي غير معني حتى اللحظة على الأقل بالدخول في ذلك المزاج السياسي المفصوم الذي تصبح فيه المقاومة الفلسطينية تحديداً، وليس سلطة رام الله، هي الجهة التي تتخذ على الأرض موقفاً وموقعاً يخدم في النتيجة أو يوفر الغطاء لحماية الوصاية الأردنية نفسها على أوقاف القدس. من ينازع تلك الوصاية الآن هو اليمين الإسرائيلي الحاكم، ومن يعمل على إنقاص مضمونها أو تحجيمها أو إخراجها عن سياقها التاريخي هو رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، فيما الطرف الفلسطيني الوحيد الذي يتصدى ويمكنه أن يحدث فارقاً هو حصراً صواريخ المقاومة الفلسطينية وليس أجهزة الأمن التابعة لما يسمى بشرعية السلطة، ولا حتى الأصدقاء الأمريكيين أو الـ 800 موظف التابعين لأوقاف عمان. الموقف محرج فعلاً وللغاية، و«القدس العربي» في مجمل الملف الفلسطيني سبق أن سمعت القيادي السياسي في حركة حماس خالد مشعل، وهو يحاور ويناور ويحاول لفت النظر إلى أن المقاومة ترغب في التواصل مع الأردن، لا بل يستغرب أردنيون حتى اللحظة ومن بينهم القطب البرلماني خليل عطية مثلاً وغيره، كيف تتجاهل بوصلة الحكومة من يناجز الإسرائيلي ويدافع عن كرامة الأمة في فلسطين حتى الآن ولا تتحدث معه. لذلك، الإحراج مضاعف، وفاتورته تزيد، وأسوأ سيناريو قابل للتكرار بالنسبة لدوائر القرار البيروقراطي الأردني هو أن يتم تصدير الأزمة مجدداً، وأن يلتقي قادة الحراك والعشائر والمكونات في الأردن تحت لافتة توجه التحية لمحمد ضيف، قائد «القسام»، وتطالبه بمزيد من الصواريخ. وهو المشهد الذي حصل في معركة سيف القدس العام الماضي، وسيحصل إذا ما أصر نفتالي بينت على الخضوع لمعادلة شركاء الائتلاف. «الوصاية» تحت الامتحان الوصاية الأردنية بهذا المعنى تتعرض الآن لامتحان صعب ومعقد سبق أن خاضته الحكومة الأردنية مع بنيامين نتنياهو. والعنوان الأبرز في التفاصيل هنا، حيث البرنامج الزمني الذي أعلنه نفتالي بينت لإدخال المستوطنين إلى حرم القدس والمسجد الأقصى في الفترة الصباحية بعد صلاة الفجر وقبل صلاة الظهر، وحيث البرنامج المكاني أيضاً الذي يحدد مسارات وجدراناً للمستوطنين بصورة تنتهي دوماً بتدنيس الأماكن المقدسة. تلك توصيفات مكانية وزمانية في مفهوم وعرف المؤسسة الأردنية، لها اسم واحد.. خطة «التقاسم المكاني والزماني» نفسها المرتبطة باسم نتنياهو، يعود بها نفتالي بينت مجدداً إلى التطبيق الميداني حتى دون تسمية. في مشاورات سيادية أردنية، تقرر العمل وفوراً على إجهاض هذا الاشتباك واستخدام كل أوراق الثقل المطلوبة. كما فهم الجميع بأن الوصاية الأردنية هي الهدف لتلك الخطة. وبالتالي، الالتزام بتنفيذها على الأرض لمدة أسبوع وبذريعة أعياد يهودية، هو سلوك عدائي جداً، لا بل يمس بمصالح عليا للدولة الأردنية، وفقاً لتعبير مذكرة برلمانية غاضبة تبناها النائب عطية ووقعها 87 عضواً في مجلس نواب الأردن، وتضمنت لأول مرة مطالبة الحكومة بقرارات وإجراءات تغادر منطقة الاستنكار والشجب. بالقرب من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، يمكن ملامسة نتائج وتداعيات حلقات السلام الإبراهيمي، ويمكن مصافحة عناصر العزلة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني اليوم في ظل الغطاء الذي توفره الإبراهيميات. ويمكن قراءة الواقع الموضوعي على أساس أن الأردني مع الفلسطيني باتا وحدهما على الأرجح، فقد تركهما العرب، وهو تعبير استعمله رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري في ندوة عامة مؤخراً. لكن الأردن بقي مقيداً بسلاسل المناورة والتزويد السياسي، فالهوامش أضعف من أي وقت، والجغرافيا لم تعد ورقة أمنية فعالة، والدور تقلص ويتقلص كما فهمت «القدس العربي» من المصري أيضاً، وظهر الوصاية الأردنية مكشوف الآن لخطة التقاسم الزماني والمكاني، والأمريكيون الأصدقاء صامتون، والأوروبيون عاجزون أو منشغلون بأزمة أوكرانيا.

تلك هي وضعية الحكومة الأردنية عندما تفكر بتفاصيل هوامش المناورة. «اجتماع عن بعد» لكن رغم ذلك، أنهت أحداث القدس إجازة النقاهة الصحية للملك عبد الله الثاني قبل برنامجها الزمني، الأمر الذي يظهر حجم اهتمام القيادة الأردنية وقراءتها لحساسية مسار الأحداث، فقد ترأس الملك شخصياً اجتماعاً عن بعد، وأمر حكومته بمواجهة المخططات الإسرائيلية غير الشرعية وبكل الإمكانات المتاحة، وتحادث لاحقاً مع رؤساء مصر وفلسطين والإمارات، وحتى الكيان. لاحقاً، تحركت مؤسسة البرلمان الأردني، وأعلن الوزير أيمن الصفدي تقدم بلاده باحتجاج رسمي، وبدأ الشارع الأردني يتحفز دفاعاً عن الثابت المقدس الوحيد الثابت عليه غربي وشرقي نهر الأردن. ضمن معادلات القوة في المشهد الواقعي، تحركت المؤسسة الأردنية بكل ما تستطيع وبطريقة سبق أن نجحت فيها مع نتنياهو مرتين، لكن دون ضمانات بأن تنجح خطة عمان في حماية وصايتها مرة أخرى الآن، فعمان تحرك وهي مقيدة بالعبء الناتج عن علاقات سيئة وأحياناً غير موجودة مع نفتالي بينت، وعن علاقات غير موجودة أيضاً مع اليمين الفلسطيني المقاوم. الحل في إبقاء الوصاية الأردنية بحجمها التاريخي ليس في يد الرئيس هيرتسوغ ولا الرئيس عبد الفتاح السيسي ولا حتى الرئيس محمود عباس. تلك باختصار معضلة الحراك الدبلوماسي الأردني.

 

المصدر: «القدس العربي»

البث المباشر