بدأ جيش الاحتلال يوم الأحد، مناوراته الأطول التي حملت اسم "عربات النار"، والمتوقع أن تستمر شهراً كاملاً، وتحاكي تفعيل كامل الأجهزة والأدوات والتأهب للتصدي لحرب متعددة الجبهات.
سخونة الأجواء العسكرية التي شهدتها الفترة الماضية، أذابت الجليد عن الأحداث جنوبا وشمالا، لتكشف عن السيناريو الأكثر رعبا لدى تقديرات المؤسسة (الإسرائيلية)، تجاه معركة متعددة الجبهات.
تجمع مختلف التقديرات السياسية أن الأطراف تسعى لتلافي المواجهة الممكنة، بيد أنّ حدثا متكررا يستهدف تغيير قواعد الاشتباك قد يدفع لانفلات الأمور وانزلاق الأحداث نحو معركة مفتوحة، تساهم فيها مختلف الأطراف بردود متباينة وبإيقاع ناري مضبوط.
ورغم استبعاد التقديرات لإمكانية اندلاع حرب كهذه في المنظور القريب؛ نتيجة الأوضاع الداخلية في لبنان وسوريا وغزة؛ إلّا أنه يوجد خطر داهم يقلق تقديرات المؤسسة الأمنية والعسكرية (الإسرائيلية)، بحسب مختصين عسكريين وسياسيين تحدثوا لـ"الرسالة نت".
المناورات الأطول
الخبير الأمني والعسكري اللواء المتقاعد د. محمد لافي، أوضح أن هذه المناورات الأطول، تحمل في طياتها تفعيل كل اللجان والأجهزة، في سياق أخذ العبر من مواجهة سيف القدس التي تأتي ذكراها السنوية الأولى في هذه الأيام.
ووصف لافي لـ"الرسالة نت" المناورة بـ"المؤشر الخطير"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن استنفار الغرفة المشتركة يمثل في المقابل مؤشرا مهما وإيجابيا يتعامل مع الأحداث بقدر المسؤولية.
وحذر من خطوة التعامل مع خطورة المناورة في اللحظة التي يعطي فيها العدو لجبهته الداخلية إنذارا بالتعامل مع الحالة القصوى، "فقد تكون ساعة الصفر في حالة العدوان".
ونبه إلى أن عنصر المفاجأة لدى المقاومة سيكون عاملا معطلا للاحتلال في تعامله مع جبهته الداخلية، مقدرا أن الاحتلال لن يقدم على عدوان قبل التعامل مع جمهوره الداخلي.
المواجهة الشاملة!
من جهته، قال المختص السياسي د. حسن عبده، أنّ المناورات تجابه سيناريو المواجهة الشاملة، وهذا "يمثل تطورا كبيرا ويعبر عن تخوف حقيقي من الاحتلال تجاه هذا السيناريو".
وأوضح عبده لـ"الرسالة نت" أنّ جيش الاحتلال يشارك كل أجنحته بالمواجهة في مثل هذا النوع الذي يشكل خطرا وجوديا عليه.
وأكدّ أنّ تطور الأدوات العسكرية للمقاومة من الناحية التكنولوجية شكل تحدياً آخر لدى الاحتلال، خاصة أن محور المقاومة ضيق الفجوة الالكترونية مع الاحتلال.
متغيرات القوة
من جانبه، عزا الخبير العسكري رامي أبو زبيدة، المناورات إلى الخشية (الإسرائيلية) الحقيقية تجاه وحدة محور المقاومة وتنامي القوة العسكرية لديه، إلى جانب الخشية (الإسرائيلية) والقلق تجاه متغيرات القوة.
وأوضح أن أغلب الأنشطة العملياتية المنوي تنفيذها خلال المناورات المتعددة والسيناريوهات تؤكد وجود تشاؤم من قيادة الاحتلال حيال مؤسسات تقدير الموقف.
وذكر أن ما ينتظر الكيان يتمثل في المواجهة الكبرى التي ستختلف عما كانت عليه في المعارك السابقة وستدفع الاحتلال لتكرار مناوراته والمزيد من الاستعداد بالجانب الدفاعي، بما يلائم حجم التهديدات.
إمكانية التطبيق!
الخبير في الشأن الإسرائيلي اللواء واصف عريقات، قدر بدوره إمكانية تأجيل هذا السيناريو للمنظور البعيد، لأسباب مختلفة في بنية صناعة القرار الإسرائيلي في شقيه الأمني والعسكري من جهة، وبيئة القدرة القتالية من جهة ثانية.
وأوضح عريقات لـ"الرسالة نت" أنّ القيادة الإسرائيلية الحالية رغم "يمينيتها المتطرفة وميلها للعدوان العسكري أكثر من سلفها بنيامين نتنياهو؛ لكنها غير منسجمة في تركيبتها وليس سهلا عليها اتخاذ قرار عدوان موسع؛ لكن يبقى الاحتمال قائما تجاه إمكانية دفعها لارتكاب حماقة بالتصعيد.
يقول أيضا إن القدرة التدميرية لـ(إسرائيل) متحققة، بيد "أنها لا تستطيع تحقيق إنجازات أو انتصارات كما كانت في السابق، فهي اختلفت في عقيدتها القتالية التي ترتكز على الحرب الخاطفة والعودة، والقتال في أراضي الغير وتحييد الجبهة الداخلية".
وذكر أنّ القدرة العسكرية (الإسرائيلية) على تحقيق الإنجاز، لم تعد قائمة؛ "بل خلافا لذلك أصبحت تجلب الأزمات للمجتمع والدولة على حد سواء".
وأوضح أن تجربة الحرب الأخيرة على غزة، "صوّرت مشهدا مرعبا لمفهوم الجبهات المتعددة، ترجم في ضآلة ومحدودية الرد (الإسرائيلي) على قصف حزب الله، في مؤشر واضح على التخوف (الإسرائيلي) من تحقق هذا السيناريو".
يزيد اللواء عريقات على ما سبق بالقول: "تحقيق الإنجاز يحتاج لثمن باهظ، وهذا يحتاج لقرار قيادي استثنائي وجريء، ولا يوجد مسؤول إسرائيلي يمكنه أن يتحمل ثمن اليوم الثاني لاتخاذ قرار الحرب الموسعة".
وأمام مجمل هذه الأسباب، يبقى هذا السيناريو يمثل حالة رعب مستقبلية لـ(إسرائيل)، دون أن يغلق احتمال إمكانية وروده في المدى المنظور، بحسب عريقات.
وعليه، فإن (إسرائيل) ستلجأ الى حروب الجيل الرابع والخامس المعروفة بـ"الحروب الناعمة"، عبر تصدير الأزمات للعدو والعمل على تآكله من داخله، كأقصر الطرق وأقل الأثمان، تبعا لقوله.