سعدية فرج الله سيدة فلسطينية استشهدت في الثامنة والستين من عمرها.. قد يبدو هذا خبرا عاديا في الحالة الفلسطينية، فرغم أنها سيدة، ورغم أنها تقترب من السبعين عاما إلا أن هذا حدث من قبل، لكن أن يكون استشهاد هذه السيدة داخل المعتقل الصهيوني فهذا ليس حدثا عاديا، خاصة أنه لم يحدث طوال العقود السبعة -أي طوال عمر هذه السيدة العجوز- إلا 229 مرة، هذا بشكل عام، لكن الحقيقة أنه قد لا يكون حدث من قبل إطلاقا لسيدة، ولسيدة تقترب من السبعين، خاصة إذا علمت أن أعداد السيدات المعتقلات في سجون الاحتلال حاليا حوالي 35 أسيرة فقط.
سعدية فرج الله اعتقلت في ديسمبر 2021م، بعد الاعتداء عليها من قبل قوات الاحتلال بتهمة محاولة طعن مستوطن صهيوني، وعانت خلال اعتقالها من إهمال صحي أدى إلى تدهور كبير في صحتها، وصولا إلى استشهادها عقب سنة ونصف من اعتقالها.
قد يكون خبر محاولتها طعن مستوطن صادقا، وقد يكون كاذبا، لكننا في كلتا الحالتين أمام حدث غير عادي، والمفترض أن يترك فينا أثراً عميقا، ويدفعنا إلى فعل جماهيري ونخبوي، ينبه إلى خطورة ما جرى مع هذه السيدة، فنحن أمام أحد احتمالين في غاية الأهمية، إما أننا أمام نموذج مقاوم استثنائي، وإما أننا أمام حالة ظلم تظهر جبروت الاحتلال في أبشع صوره.
أما أنها في حال صدق ادعاء الاحتلال -وهو الكاذب على كل حال- نموذج استثنائي مقاوم، فذلك لأنه لا يحدث كل يوم أن تقوم سيدة بعملية بطولية مقاومة -مع أن المرأة الفلسطينية قدمت بكل تأكيد نماذج عبقرية في ميدان المقاومة- كما أن إقدام شخص -بغض النظر رجلا كان أم سيدة- على تنفيذ عملية بطولية وهو يزحف نحو السبعين عملا استثنائيا عظيما، يستوجب أن يظل اسمه حاضرا، ولامعا في الوجدان الفلسطيني، ونموذجا للفخر، وقدوة ينبغي أن يشار إليها بالبنان، وهو ما يفترض أن نتجاوب معه بالاقتداء بهذه المرأة عبر إشعال كافة ميادين الصدام مع الاحتلال، وأن نتجاوب معه بتخليد ذكرى هذه السيدة عبر إطلاق اسمها -على الأقل- على أحد مؤسساتنا المهمة.
وإما أن الاحتلال كاذب، -ولا يعني صدقه طبعا أن ما فعله غير مجرم ولا يستوجب ثأراً لائقا بظروف هذه السيدة-، وفي حال كذب الاحتلال فإنه يكشف عن صورة بشعة من صور جبروته، التي تجعله يلفق اتهاما لسيدة طاعنة في السن، ويعتدي عليه ضربا وسحلا، ثم يجرها إلى لهيب التحقيق، والاعتقال، ويمارس بحقها إهمالا طبيا بشعاً، ينتهي بإصابتها بعدد من الأمراض التي تقضي عليها، وهي التي اعتُقلت سليمة من أي مرض كما قال ابنها.
وهذا الجبروت التي يطال المرأة الفلسطينية يستوجب غضبا عارما، وسعيا حثيثا للانتقام من هذا العدو ومطاردته في كل مكان، ليدرك أن للعدوان على المقدسات، وفي قلبها المرأة الفلسطينية، ثمن فادح لابد أن يدفعه عاجلا غير آجل، ولابد أن تشتعل الأرض تحت أقدامه، وأقدام مستوطنيه.
إن ما جرى يلفت النظر بشكل واضح للازدواجية غير المسبوقة لمن يتحدثون عن حقوق الإنسان، والمرأة، وكبار السن، ثم يصمتون أمام هذا المشهد المأساوي، لكنه يلفت النظر أكثر لمستوى عجز كثير منا عن التفاعل مع قضايانا الوطنية، ليس لمشكلة فينا، ولكن لأن منظومة التنسيق الأمني نجحت للأسف في إضعاف قدرة الجماهير على الغضب والثورة، وإيلام العدو، فلقد كان من المفترض أن نشهد ردة فعل تجعل من ضرب سيدة سبعينية واعتقالها واستشهادها إشعالا لثورة ممتدة، وتأجيجا لغضب عارم، وتأسيسا لمعادلة جديدة، وجرس إنذار يدق في العالم كله، لا في الخليل وحدها فحسب.