بالضبط، كما حدث مع شيرين أبو عاقلة يتكرر المشهد مرة أخرى، القتل لأجل إخفاء الحقيقة، سياسة ومنهج يتبعه الاحتلال حتى لا تنقل الصورة من جنين إلى العالم، حتى لا نسأل "ما الذي تفعله مائة آلية بعتاد 2200 جندي في المخيم كل ليلة وقبل بزوغ الفجر؟!
القتل كاللصوص، سرقة الأرواح دون كاميرات، ومن يتجرأ وينقل الصورة سيُقتل في مكانه، ويتوقف البث، هكذا حدث مع الشهيد الشاب محمد سباعنة، الذي كان ينقل بثاً مباشراً لمدرعات الاحتلال وهي تقتحم مخيم جنين، هل يظن هؤلاء الحمقى أننا سنخطئ العد بسبب الظلام؟!
وكأن هذه المدرعات التي تقتحم المخيم دائما ليلا والناس نيام، لا تعرف أن هذا ديدن الجبناء، أما الشجعان فيقاومون ليلا، كما تفعل جنين كل ليلة.
مغلقة جنين من جميع المداخل والمخارج، كل ليلة، وكأنها سنة حياة عليها أن تعيشها وحدها، وتأخرت الكاميرات في وصولها إلى المخيم، كما تأخرت سيارات الإسعاف من الوصول إلى جسد الشهيد قبل ارتقائه.
وحدة اليمام منعت السيارات من الدخول إلى الحي الشرقي "حي البساتين" للمخيم وحاصرت بناية النخيل وهدفها اقتحام شقة الشهيد رعد خازم الذي نفذ عملية " يبزنجوف" بتل أبيب في أبريل الماضي وقتل فيها ثلاثة (إسرائيليين).
أخلى الجيش البناية، تمهيدا لهدمها، وكان محمد يصور وينقل في تلك اللحظة، يصور جنود القناصة المنتشرين فوق العمائر المجاورة، حينما قرر أحدهم إطلاق رصاصة وإنهاء البث المباشر وارتقاء سباعنة.
والد الشهيد يقول: "كان ابني يسير على دراجته النارية حيث يعمل مع شركة "ديلفيري" على دراجته النارية، ونزل من البيت في تلك الليلة على دراجته لينقل ما يقوم به الجنود ببث مباشر.
ويضيف الأب: "أطلق عليه الجنود رصاصة، ونحن في المنزل لا نستطيع النزول بسبب انتشار الجنود في الجوار، ابني هو الثاني بين إخوته، كان يحلم ببناء منزل، وبناء أسرة، قًتل بدم بارد وكأنه هُدم قبل أن يبني".
الدكتور وسام بكر مدير مستشفى جنين الحكومي قال إن عدد الإصابات التي وصلت إلى المستشفى فجرا تجاوز الواحد والعشرين إصابة موزعة على مستشفى جنين والرازي وابن سينا بينها ثلاثة في حالة حرجة.
ويلفت بكر إلى أن إصابة محمد سباعنة كانت في الصدر، وقد وصل إلى المستشفى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لم ينته نهار جنين عند هذا الحد، فقد كان هناك في العناية المركزة جسد آخر لم يقوَ على المقاومة أكثر، فقد أعلنت الطواقم الطبية ما قبل انتصاف النهار عن استشهاد محمد موسى نتيجة إصابته الخطيرة في ذات الليلة.
استشهد منذ بداية العام 140 فلسطينيا في عمليات اقتحام متفرقة في الضفة الغربية، التي تتأجج كل يوم أكثر وتزاد اشتباكات الفلسطينيين هناك مع جنود الاحتلال ما يجعلها كل ليلة تبيت على صفيح ساخن.
عدنان صباح مدير مركز جنين للإعلام يقول إنه منذ معركة سيف القدس والاحتلال قد أعاد حساباته وبدأ يعمل بجنون غير معتاد خاصة مع ازدياد حركة المقاومة في الضفة التي فرضت شكلا جديدا للمعادلة.
يعتبر الاحتلال من وجهة نظر صباح مخيم جنين غزة الضفة والتي كلما ضربها خرجت مرة أخرى مثل المارد، يقفز اسمها مع كل عملية فدائية في تل أبيب وأريحا، مضيفاً: "أي مكان في الضفة يظهر اسم جنين والاحتلال يعتقد أنه بالقضاء على جنين سيقضى على المقاومة ويضربها في مقتل، ولا زال يحاول، ولن يستطيع".